تخيل إنك عايش في زمن بتموت فيه الحياة لحظة بلحظة…
الهواء سام، البحار تغلي، والحيوانات تختفي من على وجه الأرض.
ده مش خيال علمي — ده اللي فعلاً حصل في الانقراض البرمي الثلاثي، أو زي ما العلماء بيسموه الموت العظيم (Permian–Triassic Extinction Event)،
الحدث اللي قضى على 95% من الكائنات البحرية وأكثر من 75% من الكائنات البرية في أبشع كارثة مرّت على الكوكب.
في المقال ده من سلسلة “العلم بالملعقة”، بنستعرض رحلة العلماء اللي كافحوا لفهم لغز هذا الانقراض:
من فرضية “البركان الأعظم” اللي كانت مرشحة تفسر الحدث، إلى انهيارها أمام الحسابات الفيزيائية،
ثم التحول المدهش اللي حصل بعد اكتشاف دور الزئبق وبصمته الكيميائية في تتبع مصدر الكارثة،
واللي قاد العلماء في النهاية إلى مصائد سيبيريا (Siberian Traps) — واحدة من أضخم الأقاليم النارية في التاريخ الجيولوجي للأرض.
اتضح إن الحدث ماكانش مجرد بركان،
بل إقليم ناري كامل امتد على مساحة تعادل تقريبًا مساحة مصر كلها!
فتح الأرض نفسها لتنفث حممًا وغازات سامة استمرت لآلاف السنين،
وأدت إلى تسمم الغلاف الجوي، واختناق الحياة على سطح الكوكب تدريجيًا.
المقال كمان بيشرح ببساطة:
إزاي العلماء استخدموا نظائر الزئبق لتأكيد إن مصدر الكارثة واحد عالمي.
معنى مصطلح الأقاليم النارية (Large Igneous Provinces).
وليه اسم “مصائد سيبيريا” هو في الأصل ترجمة خاطئة لكلمة سويدية معناها “المدرجات” أو “السلالم”.
📖 اكتشف معانا كيف حُلّ لغز الانقراض الأكبر،
اللي غير مجرى الحياة على الأرض، ومهّد الطريق لظهور الديناصورات بعده بملايين السنين.
💀 الموت العظيم: لغز أكبر كارثة في تاريخ الأرض
الإنقراض العظيم أو الموت العظيم، أو بطريقة الجيولوجيا الإنقراض البرمي الثلاثي أو البرمي الترياسي (Permian–Triassic extinction event)، كل دى أسماء مختلفة لشيئ واحد و لفترة مخيفة فى غاية الكآبة. فترة كان ريحة الموت فيها منتشرة فى كل مكان.
ما مرش على الأرض ولا هيمر كارثة بالسوء والرعب ده كله. كل لحظة بتمر كان الموت بيسيطر أكتر ويقضى على نوع جديد من المخلوقات. حتى الحشرات اللى ما كانتش بتتاثر بأى نوع من الكوارث، هى كمان أوشكت على الإنقراض.
بس خلينا نختصر ونقول إن الحياة برضه كان مكتوب لها تستمر، حتى لو اضطرت انها تدفع أكبر تمن على مدار تاريخ الكوكب. فالحياة فقدت فى الوقت ده حوالى 95 % من الكائنات البحرية، وأكتر من 75 % من الكائنات البرية. ده غير انه اتفرض عليها الكفاح لمدة 10 مليون سنة عشان تتعافى. كل العمر ده فضلت الحياة مهددة بالفناء فى أى لحظة لو حصلت أى كارثة تانية.
يا ترى إزاى الأمور وصلت لكده؟ وإيه هى الكارثة العظمى دى اللى اتسببت فى الانقراض الأكبر الملقب بـالموت العظيم؟ السؤال ده فضل محير العلماء على مر السنين، واضطرهم يفكروا فى عدد ضخم من الفرضيات، واللى من كترها تقدر تقول انها كانت زى قلتها. ده ناهيك عن ان كل فرضية كانت ناقصة وبتناقض نفسها.
بس بإختصار الحيرة دى برضه كان مكتوبلها تنتهى. وما كانش ده هيكون ممكن إلا بتعاون دولى غير مسبوق. فبالفعل عن طريق واحدة من أضخم الدراسات اللى اتعملت فى التاريخ، واللى تكاتف فيها علماء الفيزيا والكيميا والبيولوجيا والجيولوجيا من مختلف جامعات العالم، اتقدمت الدراسة اللى تم نشرها فى مجلة Nature بتاريخ 3 يناير سنة 2023. واللى من خلال الاطلاع عليها بيبان إنه ربما نكون أخيراً حلينا اللغز. خلونا بقى انهاردة نعيش مع أجواء الرحلة العلمية الصعبة دى ونفهم إزاى وصلنا للحقيقة.
أهلاً وسهلاً بيكوا! أنا عماد عصام .. وده موضوع جديد من العلم بالملعقة.
🌋 فرضية البركان الأعظم ومصائد سيبيريا
زى ما قلتلكوا إن الباحثين كان عندهم فرضيات كتير لتفسير الموت العظيم، بس خلونا ما نضيعش وقت ونركز بس مع الفرضية اللى كانت طرف الخيط، واللى مشى وراه الباحثين عشان يحلوا اللغز. الفرضية دى بتسمى بـفرضية البركان الأعظم. ومن اسمها واضح إنها مبنية على افتراض انه حصل بركان مخيف اتسبب فى الكارثة.
فعن طريق الكميات المخيفة اللى أطلقها البركان ده من الحمم والغازات، اتسمم الغلاف الجوى وغرق الكوكب فى الأمطار الحمضيه. ودخلت الأرض فى شتاء نووى طويل ومهلك لمعظم الكائنات. والفرضية دى كانت بترشح بعض الأماكن على الأرض عشان تكون هى مركز البركان. ولو اختصرنا برضه عملية التحليلات وجمع البيانات وأسلوب البحث الروتينى، هنلاقى انه تم حصر الشبهة فى منطقة سيبيريا الروسية.
تحديداً جزء من سيبيريا عبارة عن منطقة غنية بالصخور البركانية. المنطقة دى كانت نشطة جدا بركانياً من ملايين السنين، لكن حالياً مع مرور الزمن و تغير الظروف الجيولوجية، البراكين خمدت واتحولت مخلفاتها لتاريخ محفور فى الصخور. والمنطقة دى واللى هتسمى مصائد سيبيريا، كانت مبشرة جدا، لان كل المؤشرات البيئية والصخور البركانية فيها كانوا متوافقين زمنياً مع الحدث. فعمر الصخور والحفريات فى المنطقة كانوا فى حدود الـ 250 مليون سنة، وهو نفس الوقت تقريباً اللى حصل فيه الإنقراض أو الموت العظيم.
بس للأسف فى عز الحماس ده كله الدنيا اتشلقبت! وما بين يوم وليلة اتحولت الفرضية الأقوى لأضعف فرضية.. طبعاً هتقولى ليه؟
هقولك هو العلماء كانوا عارفين إنه لو كان السبب فى الإنقراض ده بركان، فأكيد هيكون بركان مخيف وفى منتهى القوة. ولذلك هم أصلاً أطلقوا على الفرضية اسم فرضية البركان الأعظم. لكن المشكلة انه بعد استكمال المعلومات والبيانات الخاصة عن المنطقة، لما جم يحسبوا قوة البركان المطلوبة للتسبب فى حدث زى ده، لقوا انه مينفعش أصلاً يكون فى انفجار بركانى بالقوة دى، خصوصاً فى الوقت ده من 252 مليون سنة وقت بداية الأحداث.
وقبل ما أوضحلك أكتر خلينى أعملك مقارنة سريعة توفر علينا: أنت غالباً سمعت عن أشهر بركان فى التاريخ اللى هو بركان Vesuvius. ولو ما سمعتش عنه فبإختصار هو أسوأ كارثة بركانية في التاريخ الأوروبي. ثوران البركان ده محا تقريباً المدن الإيطالية Pompeii و Herculaneum. واللى يهمنى انك تاخد بالك من الرقم الجاى عشان هنحتاجه فى المقارنة: بركان فيزوف ده أطلق حوالى 4 كيلو متر مكعب من المقذوفات البركانية. وعلى الرغم من ان الكمية دى محت المدينتين بالناس والمخلوقات اللى كانوا عايشين فيها، إلا انهم رقم لا يذكر لو قارنتهم بمقذوفات أقوى بركان مسجل فى التاريخ. أقوى وأكبر بركان مسجل عندنا بصورة مؤكدة اسمه بركان Toba، مكانه فى جزيرة سومطرة بإندونيسيا. وبركان Toba ده فى واحدة من ثوراته العنيفة أطلق حوالى 2800 كيلو متر مكعب من الحمم والغازات. بس الحمد لله الكلام ده كان من 74 ألف سنة، يعنى ما كانش حد سكن الجزيرة من الأساس. اللى يهمنى بس تاخد بالك من رقم الـ 2800 كيلومتر مكعب بالمقارنة مع 4 كم مكعب. وخلى بالك برضه هنحتاج رقم الـ 2800 ده كمان مرة.
وبالمناسبة خلينى أضيفلك معلومة هامشية: فى بركان مفترض وغير مسجل أقوى كمان من بركان Toba، اسم البركان ده هو (La Garita Caldera) ومكانه المفترض فى ولاية Colorado الأمريكية. لكن بما انه مشكوك فيه خلينا فى الكلام المسجل والموثوق منه. خصوصاً ان حتى لو حصل مش هيبقى أكبر كتير من بركان Toba، لأن قوة بركان Toba كانت تقريباً فى الحدود القصوى لقوة البراكين الممكنة على الأرض.
فخلينا دلوقتى فى السؤال المفصلى: يا ترى البركان الأعظم ده كان أد إيه عشان يؤدى لحدث زى الإنقراض الأعظم؟ كان يرمى مثلاً كام كيلو متر مكعب من الحمم والرماد والغازات؟
إجابة السؤال ده يا صديقى هى اللى وقعت الفرضية وخلتها مش ممكنة. وبعد التعب والحسابات وتحليل العينات كله طلع على فاشوش. لأن الحسابات وضحت إن البركان ده كان محتاج إنه يطلق كحد أدنى: مش أقل من 150 ألف كيلومتر مكعب من المقذوفات البركانية. يعنى كان لازم يبقى أقوى من بركان Toba بـ 60 ضعف على الأقل!
وقبل ما تقولى وايه المشكلة؟ هقولك إن مفيش أصلاً طاقة من الماجما فى الغلاف الصخرى عشان الكلام ده يحصل. قدرات الأرض نفسها مينفعش انها تغذى انفجار بالحجم ده. لا دلوقتى ولا من 252 مليون سنة وقت ما حصل الإنقراض العظيم. فى بس احتمال نظرى إن الكلام ده يحصل فى بداية نشأة الأرض، يعنى من اكتر من 4 مليار سنة. وده لان الأرض وقتها كانت أسخن بكتير والحرارة الداخلية أعلى، وأصلاً الكوكب كله كان من الماجما أو الصخور المنصهرة، و القشرة الأرضية فى الوقت ده كانت تقريباً معدومة، وكان النشاط البركانى وقتها هو السائد والقاعدة مش الاستثناء. إنما أنا بقولك إن الظروف دى انتهت من 4000 مليون سنة على الأقل. مينفعش أبداً تفترض انها كانت موجودة من 250 مليون سنة.
وبالمناسبة احنا عندنا مقياس لقوة الثورات البركانية بيسمى الـ VEI أو بالاسم الكامل Volcanic Explosivity Index. المقياس ده برضه مدرج زى مثلاً مقياس ريختر بتاع الزلازل، والتدريج بتاع الـ VEI بيبدأ من الصفر ويوصل لـ 8 ($0$ يعنى ثوران هادئ جداً، $8$ يعنى أعظم انفجار ممكن على الأرض بظروفها بعد ما استقرت). لو حاولنا بقى نتخيل بركان عنيف فى ظروف نشأة الأرض الأولى، فممكن نحتاج لمقياس بيوصل تدريجه لـ $9$ أو حتى $10$. بس المشكلة بقى ان البركان الأعظم ده كان أقوى من كده كمان، فالحسابات بتقول انه كان لازم يبقى على الأقل فى حدود 10 درجات. يعنى البركان المفترض ده بيتطلب قوة مشكوك فى وجودها أصلاً فى بداية نشأة الأرض. فما بالك بقى من 252 مليون سنة؟ هى دى المعطيات الجديدة اللى بوظت الفرضية بعد ما كانت على وشك تتحول لنظرية. وكان لازم يلاقوا طريقة علمية يوفقوا بيها بين المعطيات أو ينسوا الفرضية. وهو ده تحديداً اللى هتبدأ من عنده الدراسة الجديدة.
🧪 رحلة الزئبق (Mercury) وبصمته الكيميائية
عشان نفهم منهجية الدراسة وإزاى وفقت بين المعطيات، لازم الأول نعرف رحلة الزئبق وبصمته المميزة.
الزئبق يا صديقى موجود من أصل تكوين الأرض مع بقية المعادن والعناصر. وزيه زى غيره بيشكل نسبة من مقذوفات البراكين. والنسبة دى بتتقسم ما بين الصورة الغازية أو الجزيئات الدقيقة. الجزيئات الدقيقة بتترسب فى التربة والغاز بيتطاير للغلاف الجوى. ولما يطلع الغاز لطبقات الجو العليا، التيارات الجوية بتشيله لمسافات بآلاف الكيلومترات.
يعني لو الزئبق ده خارج من سيبيريا اللى هى فى نص الكرة الشمالى، فهتلاقيه يوصل بسهولة لاستراليا مثلاً فى نص الكرة الجنوبي، خصوصاً فى العصور القديمة اللى كانت فيها القارات لسه ملتحمة. هو مش موضوعنا لكن باختصار زمان القارات كانت كلها قارة واحدة بتسمى Pangaea. وعموماً ما كانتش هتفرق إلا فى نسبة الترسيب. فى كل الحالات الزئبق كان هيوصل لأبعد مكان.
المهم انه خلال رحلة الزئبق مع التيارات الهوائية بيحصله شوية تفاعلات. والتفاعلات دى بتغير من خصائص الزئبق والنظائر بتاعته. والكلام ده فى حد ذاته مفيد للباحثين، لان التحولات الكيميائية دى بيقدروا يحسبوها ويستنتجوها. فبيقولوا مثلاً لو طلع زئبق بالنسب الفلانية من سيبيريا، يبقى على بال ما يوصل لاستراليا فى الجنوب هتبقى النسبة كذا. أو يقولوا كمان إن الزئبق هيتحول للنظير أو الأوكسيد الفلانى. وخلى بالك الزئبق له 7 نظائر مستقرة و أكتر من 40 نظير مشع.
الخلاصة إن حساب نسب الزئبق وتحولاته بتفيد فى الكشف عن العينات. وبيبقى متاح جدا إثبات ان المصدر واحد لأى عينة، وده طبعاً بيثبت ان الكارثة كانت عالمية، يعنى بدأت فى سيبيريا وامتدت آثارها لكل الأرض.
هنا ممكن حد صاحى معايا يوقفنى باعتراض، هيقولى مش انت قلت ان الزئبق بيتطاير وبيوصل لطبقات الجو العليا؟ طب وهم إزاى هيلاقوه فى استراليا؟ هيطلعوا يعنى الغلاف الجوى اللى فوق استراليا!! هو طبعاً يا صديقى الحكاية مش كده بالظبط، إنما ممكن نقول إن الزئبق هو اللى نزلهم!
لأن الزئبق المتطاير فى نسب منه بتتحد مع جسيمات الغبار. وفى كمان نسب بتدوب فى قطرات المية أو التلج. والاتنين بيترسبوا مرة تانية بعد وقوعهم من الغلاف الجوى. النسبة المتحدة مع الأتربة والغبار بتتدفن فى التربة أو البحر عن طريق الترسيب الجاف. والنسبة اللى دايبه فى المية أوالتلج بتتدفن عن طريق الترسيب الرطب. لكن كمان من خواص الزئبق إن جزيئاته بتتحد بسهولة مع المواد العضوية والطين والمعادن. ومع مرور الزمن بيتدفن الخليط ده كله فى طبقات رسوبية. وبالتالى بيفضل محفوظ ملايين السنين كـبصمة جيولوجية. يعنى لما أستخرج جزء من الخليط ده من أى مكان على الكوكب وأشوف الخصائص بتاعته، هيبانلى بسهولة اذا كانت متطابقة مع المصدر الأصلى ولا لأ.
🌎 علم وصف طبقات الأرض (Stratigraphy) ولغز الأقاليم النارية
واحد من أهم العلوم اللى ساهمت فى حل اللغز خلال الرحلة العلمية الطويلة كان هو علم وصف طبقات الأرض أو الـ Stratigraphy. من خلال العلم ده الباحثين بيعرفوا تاريخ الكوكب كله. فكل عصر من العصور بيبقى ليه سماته اللى بتتحفظ على شكل طبقة من طبقات الأرض، وكل عصر الطبقة بتاعته بتدفن تحتها طبقة العصر اللى قبله.
وببساطة العلماء وصلوا للطبقة المميزة لـالعصر البرمى الثلاثى، اللى هو العصر اللى حصل فيه الإنقراض العظيم، وهو برضه العصر المفترض انه حصل فيه البركان الأعظم. وبعدين زى ما قلنا حللوا عينات الزئبق المترسب فى منطقة البركان المتوقعة وقارنوها بخصائص الزئبق المترسب فى أماكن بعيدة.
بالنسبة للمنطقة المتوقع حدوث البركان فيها، ففضلت تتوسع بطريقة عجيبة. كانت آثار الزئبق فيها ممتدة على مساحة أكبر من المتوقع. أما المنطقة البعيدة اللى هياخدوا منها العينات، ففى الحقيقة كانت منطقتين لزيادة التأكيد: منطقة موجودة تقريباً فى وسط الأرض، ومنطقة فى النص الجنوبى. المكان اللى فى النص تقريباً هو حوض كارو في جنوب أفريقيا. والمكان اللى فى الجنوب هو حوض سيدني في شرق أستراليا. وما تنساش إن الأرض وقت البركان ده ما حصل كانت قارة واحدة زى ما قلتلك.
لكن غير كده المنطقتين دول تم اختيارهم عشان موجود فيهم سجل ممتاز للحدث. فالطبقات الرسوبية فى المنطقتين محفوظة كويس وما اتشوّهتش.
اللى يهمنا دلوقتى اننا نعرف إيه هى النتيجة؟ هل برضه الشغل مصمم على حدوث بركان بالوحشية دى بيهدم كل القواعد العلمية؟
مبدئياً أحب أقولك إن الشغل أكد فعلاً على تطابق نسب نظائر عينات الزئبق. يعنى العينات اللى انتشرت على مساحة عملاقة فى منطقة البركان المفترضة، وللى هتعرف بـمصائد سيبيريا (Siberian Traps)، كانت نفس التركيب بتاع العينات اللى اتحفظت فى جنوب أفريقيا واستراليا.
وعشان نختصر خلينى أقولك ان مصائد سيبيريا دى اتضح انها حاجة كده زى الشبكة أو المنخل، لكنه منخل عملاق جداً بيتجاوز مثلاً دولة فى مساحة مصر! المنطقة دى اللى كان بينتشر فيها الزئبق عبارة عن مساحة عملاقة من الأرض حوالى 1.3 مليون كم مربع. خلى بالك إن مساحة مصر كلها حوالى مليون كم مربع. والمثير ان المساحة الضخمة دى كلها مليانة بالشقوق والفتحات، واللى برضه باختصار تم التأكد انه كان بيخرج منها الحمم البركانية. يعنى الحكاية مش مجرد فوهات الجبل المخروطية الشهيرة للبراكين، ده غير ان الحدث مش مجرد بركان حصله ثوران وخلاص. اللى اتضح انها أساساً منطقة كان الثوران فيها مستمر لعشرات الآلاف من السنين.
وطبعاً المنطقة مينفعش يطلق عليها بركان ضخم، مفيش حاجة اسمها بركان الفوهة بتاعته أكبر من مساحة مصر! إنما الاسم الصحيح إنه إقليم نارى متكامل (Large Igneous Provinces). إقليم عبارة عن شبكة ضخمة من الفتحات اللى بتنفث الأرض منها عن نفسها. والإقليم ده بشكله الجيولوجى الإستثنائى تسبب برضه فى حدث استثنائى.
ولذلك الاكتشاف ده حل اللغز كله. فمساحة ضخمة زى دى هتؤدى لانبعاث سامة بكميات مهولة. وطبيعى انها تتسبب فى تسميم الغلاف الجوى. وبرضه طبيعى انها تؤدى لـاختناق الكائنات الحية على مدار الأيام.
🎁 بونص: أصل مصطلح “Traps”
الاقاليم النارية موجودة فى اكتر من مكان على الأرض، وكانت فعلاً معروفة للعلماء. وكان برضه العلماء شاكين ان بعضها مسئول عن كوارث ضخمة وانقراضات، لكن ما كانش عندهم الأدوات الكافية للتحليل والتأكد زى ما حصل فى مصائد سيبيريا عن طريق الزئبق.
أما اسم مصائد سيبيريا ده فهو مجرد ترجمة حرفية غلط لجملة Siberian Traps. واللى أدى للخطأ ده إن كلمة Traps بالانجليزى يعنى مصائد – جمع مصيدة. وكمان فى الجيولوجيا الشكل ده الأرض بيسمى Traps. انما هو أصل الكلمة مش اللغة السويدية. الكلمة فى اللغة السويدية معناها سلالم أو درجات. وده وصف مناسب فعلاً للنوعية دى من المناطق.
واللى دخل بقى السويد فى الموضوع، إن اللى اكتشفوا النوعية دى من التضاريس كانوا باحثين من السويد. ولما شافوا المناطق دى بتشبه المدرجات الطبيعية، استخدموا كلمة سلالم أو مدرجات. والمصطلح ده اتنقل للجيولوجيا. وبقى كل مناطق الأقاليم النارية أو الـ Igneous Province بتسمى Traps لشكلها المدرّج. وعشان كده نلاقى مثلاً مصائد سيبيريا فى روسيا، وبرضه عندنا مصائد ديكان فى الهند (Deccan Traps).
فى النهاية خلينى أقولك إنى هسيبلك رابط الدراسة مع المصادر: https://www.nature.com/articles/s41467-022-35272-8
لكن بالنسبة لسؤال المقال فهيكون مختلف شوية انهاردة: تفتكر إيه السبب فى الجهد ده كله اللى اتعمل فى الدراسة؟ هيفيد إيه يعنى أننا نعرف سبب حاجة حصلت من 252 مليون سنة؟ لو عرفت الإجابة يبقى أنت اكيد من المتابعين القدام بتوع القناة، سيبلنا الإجابة فى التعليقات عشان يستفيد منها الجميع.







