في صباح 6 أغسطس 1945، أقلعت الطائرة الأمريكية الشهيرة Enola Gay لتحمل أول قنبلة نووية في التاريخ وتسقطها على هيروشيما، وتغيّر مسار العالم إلى الأبد.
لكن السؤال المرعب اللي محدش بيجاوب عليه غالبًا:
ماذا لو سقطت الطائرة قبل وصولها؟
هل كانت القنبلة هتنفجر؟ هل كانت اليابان هتكمل الحرب؟ وإيه اللي كان هيحصل لو وقع السلاح النووي الأول في التاريخ قبل استخدامه؟
في هذه الحلقة بنقدم تحليل تاريخي وعلمي شامل:
- هل كان إسقاط طائرة إنولا جاي ممكنًا فعلًا؟
- ماذا يحدث عند سقوط قنبلة نووية دون تفجيرها؟
- الحوادث السرّية اللي سقطت فيها قنابل نووية عبر التاريخ ولم تنفجر
- إيه اللي يمنع القنبلة النووية من الانفجار؟
- وهل ممكن تقع القنابل النووية المفقودة في يد إرهابيين؟
رحلة بين أخطر لحظات التاريخ وأعمق أسرار الفيزياء النووية⚛️
تابع المقال للآخر واشترك في القناة لو محتوى العلم المبسط يعجبك 👇
العلم بالملعقة – تبسيط الفيزياء والتاريخ العلمي بمنتهى السلاسة
💣 سيناريو الكارثة: مصير قنبلة “إنولا جاي” النووية
فى فجر يوم 6 أغسطس سنة 1945، أقلعت الطيارة الأمريكية Enola Gay من جزر ماريانا فى المحيط الهادى. جزر ماريانا دى قريبة من اليابان، لكن فى الوقت ده كانت تابعة لأمريكا.
المهم إنه فى تمام الساعة 8:15 صباحًا بالتوقيت المحلي لمدينة هيروشيما، كان الحدث الشهير اللى غير مجرى التاريخ للأبد. فمن ارتفاع 600 متر تقريبا، أصدر الكابتن Paul Tibbets قائد الطاقم المكون من 12 طيار، الأمر بإسقاط أول قنبلة نووية فى التاريخ.
وعلى الرغم من المخاطر اللى هتتضح بعد كده لاستخدام الطيارات فى القصف النووى، إلا إنه وقتها مكانش فى غواصات او صواريخ باليستية أو أى أسلوب تانى.
مقالنا بقى انهاردة هتناقش سؤال فيزيائى تاريخى فى منتهى الخطورة: يا ترى لو سقطت الطيارة دى لأى سبب من الأسباب قبل ما توصل لهدفها، كان إيه هيبقى مصير القنبلة النووية؟ هل كانت هتنفجر مع الحادث؟ وهل الحكاية دى كان هيبقى ليها تأثيرات على مسار الحرب العالمية الثانية؟
خلونا نناقش كل الافتراضات مع بعض ونعرف كل حاجة. هنعرف هل كانت القنبلة هتنفجر ولا لا؟ ولو انفجرت هنعرف انفجرت ليه ونتكلم عن الآثار المترتبة على كده. ولو منفجرتش برضه هنعرف ليه وإيه الآثار المترتبة على كده.
✈️ المصير المحتوم: احتمالية سقوط “إنولا جاي”
مبدئياً من الناحية التاريخية الخاصة بالتأثيرات المحتملة على مسار الحرب لو القنبلة ما انفجرتش، فعندنا اجماع تقريباً ان مكانش حاجة هتتغير، حتى لو مكانش تم اختراع القنابل النووية من الأصل. اللهم يعنى إلا تطويل زمن الحرب شوية. فاليابان كانت محاصرة تماماً وبتعانى من نقص الإمدادات والسلاح.
وخلونى أحسملكوا الموضوع وأقولكوا ان طيارة الـ إنولا جاي دى بالذات… ما كانش فى احتمال لإسقاطها! فالطيارة دى اتجربت فعلاً فى الأجواء اليابانية قبل ما تشيل القنبلة، و الطراز ده اللى بيسمى B-29 Superfortress قام بعدد من العمليات وما تعرضش للتهديد من الدفاع الجوي الياباني. فالطراز ده أصلاً تم تصميمه بحيث يكون خارج نطاق الدفاعات اليابانية. ده طبعاً مع الاعتراف بإن اليابانيين كانوا بيقاتلوا ببسالة فى حدود الإمكانيات اللى عندهم.
والدليل على كده انهم حتى بعد ضربة هيروشيما أسقطوا قاذفة من طراز P-51 Mustang. فبعد يوم واحد من التدمير اللى حصل فى هيروشيما، قدرت الدفاعات اليابانية إنها تسقط القاذفة دى وأسرت قائدها الشهير Marcus McDilda. الطيار ده فعلاً هيشتهر بعد كده على إنه واحد من عوامل تسريع استسلام اليابان.
وبصرف النظر عن صحة المبالغة دى من عدمها، فاللى حصل إنه خلال استجواب Marcus McDilda قال للمحققين إن أمريكا عندها 100 قنبلة ذرية! طبعاً الكلام ده كان مضلل ومتحفظ لكل الطيارين، والغرض الواضح هو التأثير النفسى على اليابانيين. أما الحقيقة فأمريكا ما كانش عندها غير قنبلتين إضافيتين بعد تفجير هيروشيما. وكان مقرر تفجيرهم واحدة بعد التفجير الأول بـ 3 أيام وحصل فعلاً فوق نجازاكى، والتانية كان مخطط تفجيرها بعد قنبلة نجازاكى بـ 10 أيام تحديدا فى 19 أغسطس.
بس الصراحة برضه لو جينا للحق فكلام Marcus ما كانش بعيد عن الحقيقة، والسبب إن التقديرات بتقول ان أمريكا كانت قادرة على إنتاج قنبلة ونص شهرياً، يعنى قنبلة ذرية كل 20 يوم تقريبا. فالخلاصة زى ما قلنا إن النهاية كانت محتومة، خاصة بقى مع دخول الاتحاد السوفيتي الحرب يوم 8 أغسطس.
كده مبدئيا نبقى خلصنا من جزئية التأثيرات المحتملة على مسار الحرب العالمية الثانية. إنما فى الحقيقة ما خلصناش من جزئية احتمالية سقوط الطيارة إنولا جاي، فالطيارة دى كان وارد انها تسقط على الأقل بسبب الأعطال الفنية. والكلام ده هيحصل فعلاً بعد كده بصورة أكبر مما تتوقع!
⚠️ السهم المكسور (Broken Arrow): حوادث سقوط القنابل
يمكن تكون مفاجأة للبعض انه حصل وسقطت بعض الطيارات اللى شايلة قنابل نووية، بس انا عايز اللى اتفاجئ يوفر الدهشة عشان ده مجرد جزء صغير من المفاجأة. فالطيارات اللى هتقع بعد كده ما كانتش بس شايلة قنابل ذرية، ده كمان القنابل كانت من نوع القنابل الهيدروجينية الاندماجية، يعنى قنابل أقوى مئات المرات من قنبلة هيروشيما.
والكبيرة بقى إن الحوادث دى ما حصلتش مرة ولا اتنين، ولا حتى عشرة أو عشرين مرة! فعلى حسب الوثائق العسكرية الأمريكية اللى تم الإفراج عنها، احنا عندنا 32 حادث موثق لسقوط طيارات كانت شايلة قنابل هيدروجينية. فالموضوع كان متكرر ووضح فعلاً مخاطر استخدام الطيارات فى حمل الأسلحة النووية، لدرجة ان النوع ده من الحوادث له اسم كودى فى العسكرية وهو حوادث السهم المكسور (Broken Arrow accidents).
وخلى بالك أنا بتكلم هنا على الحوادث الأمريكية لوحدها. ولذلك بيقول الجنرال الأمريكي Jeffrey Lewis مدير برنامج منع الانتشار النووي: “القائمة الكاملة لم تظهر إلا بعد رفع السرية فى ملخص أعدته وزارة الدفاع الأمريكية – هنا هو بيتكلم عن الحوادث الأمريكية – لكنه بيستكمل كلامه ويقول: “نعرف ان نفس الحوادث وقعت للاتحاد السوفيتى و المملكة المتحدة و فرنسا و الصين لكن ليس لدينا أي سجل كامل لذلك “. انتهى كلام الجنرال.
وتصديقاً لكلامه خلينا ناخد أمثلة سريعة. أول الحوادث دى كان بعد أقل من خمس سنين من تفجير هيروشيما. وكانت المهمة عبارة عن مشروع ضربة نووية وهمية ضد الاتحاد السوفيتي، لكن قاذفة القنابل الأمريكية من طراز B-36 اتعرضت لمشاكل ميكانيكية خطيرة خلت الهبوط مستحيل مع وزن القنبلة. ولذلك اضطر الطاقم إنه يرمى القنبلة النووية فى المحيط الهادئ.
لكن لو جينا لأخطر الحوادث من النوعية دى، فكان أولها هو حادث 5 فبراير سنة 1958. الحادث المسمى بـ حادث مضيق Wassaw أو حادثة Savannah (Wassaw Sound off Tybee Beach). الحادث ده حصل بالقرب من جزيرة تايبى المقابلة لولاية جورجيا الأمريكية. وخطورة الحادث كانت لسببين:
الأول هو الارتفاع الكبير اللى تم منه اسقاط القنبلة، واللى وصل لـ 9,144 مترً بالظبط.
والسبب التانى ان القنبلة دى ما تمش استعادتها لحد انهاردة، ومازالت واحدة من 6 قنابل هيدروجينية اختفوا وتم اعتبارهم مفقودين. والقنبلة دى تحديدا مرجح إنها مدفونة تحت الوحل في قاع البحر. وعلى الرغم من انهم دوروا شهور طويلة عليها، إلا إن البحث ما كانش ليه أى نتائج إيجابية.
والخلاصة إنه حتى مع الارتفاع الكبير اللى سقطت منه القنبلة، ما حصلش أى نوع من الانفجارات النووية.
⚛️ لماذا لم تنفجر القنابل النووية؟ (نظام التسليح)
لو وقفنا الحدوتة شوية وبصينا ليها من الجانب العلمى، على طول هيكون اول سؤال هو ايه السبب العلمى اللى خلى القنابل النووية دى ما تنفجرش؟
وعشان نجاوب السؤال ده لازم نفرق الأول بين القنبلة التقليدية والقنبلة النووية. فاللى عامل الربكة واتسبب فى السؤال ده أصلاً هو القنابل العادية أو التقليدية، فاصطدام القنابل التقليدية بيؤدى فعلاً لانفجارها.
والكلام ده له سببين رئيسيين:
أولاً لأن المواد المستخدمة فى المتفجرات التقليدية زى الـ TNT و RDX و PETN كلهم بيبقى فيهم أوكسجين داخلي في تركيب جزيئاتهم، وكمان كل الجزيئات دى بيبقى فيها طاقة عالية جدًا. يعنى بلغة تانية مواد مش محتاجه أى عامل خارجى للاشتعال.
ثانياً كل المواد دى بتتميز بحالة من عدم الاستقرار، وحالة عدم الاستقرار دى سببها ضعف الروابط الكيميائية بين الذرات. فمع الصدمة أو الحرارة او حتى الاحتكاك بتتكسر الروابط وبتخرج منها كل الطاقة اللى كانت مخزنة.
بالنسبة بقى للانفجار النووى، فالأسلوب بتاعه مختلف تماماً عن الانفجار الكيميائى التقليدى. وخلينى فى البداية أقولك على مثال بسيط يفهمنا القصة بصورة أفضل:
عندنا مثلاً منشار كهربائى. طبعاً المنشار الكهربى ده يعتبر سلاح وفى منتهى الخطورة، لأنه لما بيشتغل بيبقى عنده القدرة على قطع أى شيئ. بس أساساً عشان يشتغل هو محتاج لنظام معين: أولاً هو محتاج لمصدر طاقة وليكن مثلاً طاقة كهربية، ثانياً لازم التيار يبقى مناسب لمكوناته عشان ما يتحرقش، ثالثاً لازم تدوس على زرار فى جسم المنشار يسمح بمرور التيار وبداية الشغل. يعنى حتى لو المنشار متوصل بالكهربا وجاهز للشغل برضه ممكن يقف على ضغطة زرار. الكلام ده معناه إنى ما ينفعش مثلاً أطلع فوق السطح وأرمى المنشار فيخبط فى الأرض ويشتغل! لأن الخبطة ما لهاش علاقة تماماً بنظام التشغيل. هى ممكن الخبطة تفجر المنشار خالص وتطلع مكونات ضارة للبيئة، إنما فى النهاية عمر السلاح بتاعه ما هيشتغل.
نفس القصة دى بقى طبقها مع السلاح النووى:
أولاً التفاعل النووى من اسمه حتى بيحصل بين أنوية الذرات نفسها، والنواة دى حاجة مستقرة جدًا لأسباب كتير أهمها القوة النووية القوية.
ثانياً فى آلية معينة لإطلاق النيترونات بكمية معينة فى لحظة معينة وبسرعة معينة. كل ده بيتحسب بناءا على حجم القنبلة ووزنها وكتلة المادة الانشطارية اللى فيها، وكل ده بيتم التعبير عنه بـالكتلة الحرجة والحجم الحرج.
ثالثاً فى برضه أزرار أمان بيتم تنشيطها قبل اسقاط القنبلة.
رابعاً وهو الأهم: لازم قبل كل خطوة تكون عارف مفاتيح التشفير الإلكترونية لسيستم التشغيل (Permissive Action Links). لو فاكر أنا قلتلك طيارة الـ إنولا جاي كان عليها طاقم مكون من 12 طيار، الـ 12 دول ما كانش فيهم حد يعرف الشفرة إلا قائد الطيارة.
كل الخطوات اللى فاتت دى بتسمى نظام أو دايرة التسليح (Arming Circuit). وكل الخطوات دى مش بتتعمل إلا قبل دقائق من إسقاط القنبلة. ولذلك لما بتكون القنبلة على الطيارة لكن مش مهيأة بيقولوا انها طيارة شايلة سلاح نووى، أما لو تم تهيئة القنبلة فيقال انها طيارة مسلحة نوويا.
يعنى الخلاصة القنبلة النووية مبدأ تفجيرها مختلف تماماً عن القنبلة التقليدية. فعشان تنفجر لازم يشتغل نظام داخلي معقد اسمه نظام التفجير النووي. ومسألة وقوع القنابل من ارتفاعات عالية أو تعرضها لحريق شديد ملوش أى علاقة بنظام التفجير. إنما الحقيقة الكلام ده كله مش معناه برضه إن كل المخاطر منعدمة.
❓ ماذا لو وقعت القنابل النووية المفقودة في يد إرهابي؟
الحقيقة ان سقوط طيارة شايلة قنبلة نووية مش مساوى لسقوط علبة شيكولاته! ومحدش يقدر يقول إن مفيش مخاطر ولا أى نوع من الانفجارات. والمشكلة الأكبر هى عدم استعادة القنبلة بعد سقوطها. يعنى غير إنه طبعاً سقوط الطيارة بالقنبلة النووية هيؤدى لكارثة محتومة، فكمان المصيبة الأكبر لو الطيارة بالقنبلة اختفوا زى ما حصل مع 6 قنابل. فاختفاء القنبلة وعدم استعادتها بيفتح الباب لاحتمالات مرعبة. فمن الممكن أى جماعة إرهابية تلاقى القنبلة.
طبعا هنا ممكن صديق يقولى واحدة واحدة يا عمدة وجاوبنى الأول على سؤالين:
أولاً إيه هى الكارثة المحتومة دى إذا كنت قلت إن الانفجار مش هيحصل؟
ثانياً إيه المشكلة إن حد يلاقى القنابل المفقودة إذا كان مش هيستفيد بيها؟ أنت مش قلت إن فى مفاتيح وشفرات الكترونية لتشغيل دايرة التسليح؟ هل معنى كلامك إن الشفرة دى ممكن تتكسر؟
الحقيقة أنا بعتذر للصديق ده على عدم الإجابة عن أسئلته المهمة، فالأسئلة دى هى اللى هنبدأ بيها الجزء التانى والأخير من حدوتة القنابل النووية المفقودة.
بس خلينى أختم المقال بمعلومة تاريخية هيتبنى عليها سؤال مهم للنقاش فى التعليقات: الحقيقة اللى محدش ينكرها إن اليابان كان لسه عندها أعداد مليونية من الجنود، بل كان عندها قوات على مجموعة من الجزر ما يعرفوش أصلاً بقرار الاستسلام، وفعلاً مجموعات كبيرة استمرت فى الحرب، بل ان مع اعلان الاستسلام حصلت محاولة انقلاب بسب رفض ايقاف الحرب. وما تنساش كمان إن القنبلة النووية الأولى تم اسقاطها يوم 6 أغسطس، والاتحاد السوفيتى دخل الحرب يوم 8 أغسطس، والقنبلة التانية تم تفجيرها يوم 9 أغسطس. كل ده واستسلام اليابان الرسمى ما حصلش إلا فى يوم 2 سبتمبر سنة 1945. هو بتاريخ 15 أغسطس أعلن الإمبراطور هيروهيتو استعداده لقبول شروط الحلفاء، والاعلان ده كان عبارة عن شرط مستتر بيقول إن اليابان هتوقف الحرب، لكن بتطلب استمرار النظام الحاكم. وبالفعل بعد مفاوضات سريعة تم قبول الطلب واستمر الإمبراطور فى الحكم. وفى النهاية تم توقيع الاستسلام الرسمى يوم 2 سبتمبر 1945.
فهل تفتكروا إن شعب بالعناد ده ما كانش هترتفع معنوياته مع اسقاط طيارة الـ إنولا جاي؟ وارتفاع المعنويات مع التعرف على السلاح الجديد بدل ما يتفاجئوا بيه ما كانش هيؤثر على مجرى الحرب؟ ولا متفقين مع غالبية الآراء اللى قالت إن نهاية اليابان كانت محتومة؟







