ماذا لو تم اسقاط الطيارة اللى كانت شايلة قنبلة هيروشيما قبل الوصول لهدفها؟

 

في هذا الجزء الجديد من سلسلتنا العلمية، نكمل معكم سؤالًا محيّرًا وخطيرًا: ماذا لو سقطت الطائرة التي كانت تحمل قنبلة هيروشيما قبل الوصول لهدفها؟ وهل كان العالم سيتغير؟ وهل من الممكن أن تقع قنبلة نووية في يد جهة غير مرغوبة وتُستخدم بطريقة كارثية؟

في الحلقة السابقة عرفنا ليه القنبلة مش كانت هتنفجر نوويًا، واتكلمنا عن مفهوم التسليح وأمان التفجير. لكن النهاردة هنكشف أسرار أعمق:
🔸 الكتلة الحرجة والحجم الحرج وأهميتهم في حدوث الانفجار النووي
🔸 ليه القنبلة النووية مش بتنطلق إلا بنظام شديد التعقيد
🔸 ولو ما حصلش الانفجار النووي… إيه أخطر مشكلة ممكن تحصل؟
🔸 القنبلة النظيفة – القنبلة القذرة وخطورة انتشار المواد المشعة
🔸 لغز الغواصة السوفيتية K-129 ومحاولات أمريكا السرّية لانتشال 3 رؤوس نووية
🔸 هل فيه طريقة فعلًا لفك شفرة تشغيل القنابل النووية؟ وليه أمريكا كانت مصمّمة ترجعهم بأي ثمن؟

📌 فقرة مليانة غموض، تاريخ، علوم نووية، وسياسة عالمية…
تابع للنهاية وشاركنا رأيك في التعليقات:
هل كان العالم قريب من كارثة أكبر مما نتصور؟

🛡️ الجزء الثاني: أمان القنبلة النووية ولغز الكارثة المحتومة


في الجزء الأول من حدوتنا العلمية اللي بعنوان: ماذا لو تم إسقاط الطيارة اللي كانت شايلة قنبلة هيروشيما قبل الوصول لهدفها؟ كنا جاوبنا السؤال ده من أكتر من ناحية:

فمن الناحية التاريخية والتأثير على نتائج الحرب العالمية الثانية، قلنا إن الموضوع مكانش هيفرق. فاليابان كانت بتعاني الإرهاق والنقص في المعدات، بالإضافة لاستمرارها في الحرب وحيدة ضد كل الحلفاء. ومن ناحية تانية اتكلمنا عن الجزء العلمي اللي بيؤكد على استحالة انفجار القنبلة لو تم إسقاط الطيارة. وقلنا الكلام ده سببه إن الانفجار النووي بيتطلب تفعيل سيستم كامل ومعقد للتفجير. ودللنا على صحة الكلام ده بقائمة من 32 حادث أمريكي لطيارات كانت شايلة قنابل نووية. كل الطيارات دي وقعت بالقنبلة وما حصلش ولا انفجار واحد، بل قدر الأمريكان إنهم يستعيدوا معظم القنابل اللي سقطت مع الطيارات.

لكن المشكلة كانت في فقد 6 قنابل نووية محدش عرف مكانها فين. ولذلك ختمنا الجزء الأول بالسؤال عن ماذا لو جهة غير مرغوبة لقت واحدة من القنابل المفقودة. لكن كمان ختمنا بمعلومة محيرة أضافت لينا سؤال جديد. المعلومة بتقول إنه مش معنى عدم حدوث الانفجار النووي مع الاصطدام إنه مش هيحصل أي نوع تاني من الانفجارات الكارثية. والسؤال طبعًا: إيه هي نوع الانفجارات التانية دي؟

نهاردة هنجاوب إن شاء الله على السؤالين دول ونتكلم عن بعض المفاهيم الفيزيائية الإضافية.



⚛️ الكتلة الحرجة والحجم الحرج (عوامل الأمان المزدوجة)


من أهم المفاهيم في الفيزياء النووية عمومًا وخاصة في تصميم الأسلحة النووية، هو مفهوم الكتلة الحرجة ومفهوم الحجم الحرجCritical Mass and Critical Volume. المفهومين دول مرتبطين ببعض جدًا لكن مش نفس الحاجة بالضبط.

الكتلة الحرجة في الفيزياء النووية هي الحد الأدنى من كمية المادة القابلة للانشطار، واللي لو جمعتها مع بعض هتبدأ سلسلة التفاعلات الانشطارية المستمرة. المادة القابلة للانشطار دي زي اليورانيوم-235 أو البلوتونيوم-239. والمواد دي مينفعش تاخد منهم أي كمية وخلاص؛ لازم تكون كمية بمقادير معينة عشان تحقق شرط الكتلة الحرجة. وإلا لو كانت الكمية قليلة أو عشوائية، النيوترونات هتهرب بعد انشطار النواة. يعني بالتالي القنبلة مش هتكون مستعدة للانفجار. فالوصول للكتلة الحرجة دي خطوة لا غنى عنها من خطوات تهيئة القنبلة. بس طبعا مش هي الخطوة الوحيدة.

الخطوة التانية هي الوصول لـالحجم الحرج. فحجم مادة الانشطار لازم يتم ضغطه بأسلوب معين عشان يبدأ التفاعل. لو ما عملتش الخطوة دي الحجم مش هيكون حرج وبرضه مش هيبدأ التفاعل.. حتى لو كانت الكتلة حرجة. فالحجم الحرج هو حجم الكتلة الحرجة المناسب لبدء التفاعل النووي. يعني لو مثلا كان عندك 10 كجم من اليورانيوم-235، وكانت الكمية دي بتمثل كتلة حرجة، فلو قمت بضغط الكتلة دي على هيئة كرة صغيرة مثلا فكدَّه الكورة هتمثل الحجم الحرج وهيكمل التفاعل. أما لو أخدت العشرة كجم دول وضغطتهم على هيئة أنبوب طويل ورفيع، فالحجم ده مش هيكون حجم حرج. ومش هيغني عن فشل شرط الحجم الحرج كون الكتلة نفسها حققت شرط الكتلة الحرجة. لازم الكتلة والحجم يحققوا الشرط مع بعض. أي شرط يقع مفيش انفجار نووي.

دول كده أول شرطين من شروط حدوث التفجير، وهما برضه أول عوامل الأمان ضد التفجير. وزي ما قلنا في الجزء الأول إن الشروط دي وغيرها بتسمى نظام التسليح. ونظام التسليح كله مش بيحصل غير في آخر لحظات قبل قرار الإسقاط.

والفكرة بقى إن المادة الانشطارية في القنبلة النووية، سواء بلوتونيوم أو يورانيوم، بتكون محفوظة في وضع أقل من الكتلة الحرجة من جهة، ومن جهة تانية بتكون على شكل غير شكل الحجم الحرج. والكلام ده بيتم التخلص منه لما ييجي وقت تهيئة القنبلة بتقنية بتتسمى تقنية المدفع أو الـ (Gun-type). فمادة الانشطار بتكون محفوظة على هيئة قطعتين منفصلتين في حاجة شبه الماسورة وفي عازل بينهم. وطبعًا كل قطعة من الاتنين مش بتحقق شرط الكتلة الحرجة، وشكلهم نفسه في الماسورة مش الشكل اللي بيحقق الحجم الحرج. لكن في لحظة التسليح اللي هي لحظة تهيئة القنبلة قبل القصف، بيتم رفع الحاجز اللي بيفصل بين القطعتين والسماح باختلاطهم. في اللحظة دي بتتحرك القطعتين بسرعة كبيرة وبتخبط في بعض. فلما بيحصل الاصطدام بتتجمع القطعتين ويشكّلوا مع بعض الكتلة الحرجة. بعد كده بيتم توجيه الكتلة في مسار بيخليها تنضغط على شكل كرة طبعًا عشان يتحقق شرط الحجم الحرج. دي تقريباً بصورة مبسطة الفكرة الأساسية للكتلة الحرجة والحجم الحرج.

وبرضه ما تنساش إن كل خطوة بتحتاج لمعرفة عدد ضخم من مفاتيح التشفير. وأي محاولة لتشغيل القنبلة عن طريق الشفرة الغلط بتتعطل دايرة التسليح. يعني الخلاصة إن الانفجار النووي مش بيحصل غير بشروط فيها قدر كبير من الحزم والدقة. وبالتأكيد الكلام ده راجع لخطورة السلاح — فأي غلطة خلال التدريب مثلا ممكن تنسف المدينة اللي فيها القنبلة. بس نرجع برضه ونقول إن عدم حدوث الانفجار النووي مش معناه الهروب من كل المشاكل. فالحقيقة إنه دايمًا بيكون موجود مشكلتين في حالة سقوط طيارة شايلة قنبلة نووية.



☢️ قنبلة النيترون: السلاح النظيف الذي أصبح قذرًا


من أسوأ الأسلحة المحرمة دوليًا هي قنبلة النيترون النظيفة، أو اللي كان اسمها قنبلة النيترون النظيفة واتحولت لـالقنبلة القذرة (Dirty Bomb). مسمى “القنبلة النظيفة” ده كان سببه إنها مصممة لـقتل الكائنات الحية من غير ما تهدم المدن؛ فهي قنبلة بتسيب المكان “نظيف” من القوات المعادية، لكن الغنائم من معدات أو بنية تحتية في المدن بتكون سليمة. يعني قنبلة شبيهة بالأسلحة الكيميائية والبيولوجية. وبالتأكيد إن اسم الـ Dirty Bomb هو الاسم الملائم أكتر.

المهم إن فكرة سقوط طيارة شايلة قنبلة نووية — أو بإسلوب تاني فكرة إسقاط طيارة شايلة قدر كبير من المواد المشعة — بتخلي القنبلة النووية والمواد المشعة يتحولوا لـقنبلة نيترون. ولذلك حوادث سقوط الطيارات اللي شايلة قنابل نووية بتبقى كارثية في كل الأحوال، ومسألة عدم حدوث الانفجار النووي مش معناها السلامة التامة.

بس غالبًا هنا بيظهر سؤال جديد: همه ليه قدروا يصمموا سيستم لمنع الانفجار النووي غير المرغوب فيه لكن مقدروش يصمموا سيستم يمنع الإشعاع؟



🏭 السيطرة على التفجير مقابل السيطرة على الإشعاع


زي ما قلنا الانفجار النووي بيعتمد على تفاعل معقد وبيحتاج شروط كتير، وكل الشروط دي بيتعامل معاها المختصين عشان يبدأ التفاعل النووي. أما الإشعاع فهو خاصية فيزيائية ذاتية للمادة نفسها، يعني الإشعاع مش بيحتاج أي خطوات معقدة ولا حتى بسيطة عشان ينتشر — هو بيشتغل لوحده من غير أي تعقيد. وكل اللي يقدروا يعملوه إنهم يحفظوا المادة المشعة في صندوق عازل. بس مع سقوط الطيارة والنيران المشتعلة والصدمة القوية مفيش صندوق هيستحمل، فغالبًا الصندوق هيتكسر وتتحرر المادة المشعة.

هنا ممكن صديق يقولي: “طب يا عمدة، الطيارات لما بتنفجر الصندوق الأسود بيستحمل، ما هو بيقدروا يصنعوا حاجات أهو لها قدرة على المقاومة. ليه ما عملوش صندوق المادة المشعة من نفس مادة الصندوق الأسود؟”

الجواب على الصديق ده إني أقوله إن في حاجة انت مش واخد بالك منها: إحنا بنتكلم عن مواد مشعة معدة أصلاً عشان تتحرر وتنتشر مع الانفجار. يعني صحيح هم عازلين المواد المشعة وحاطينها في صندوق، بس الصندوق العازل ده لمجرد الحماية بصورة مؤقتة لحد ما ييجي وقت تفجير القنبلة؛ لأنه مش منطقي إنهم يعملوا صندوق عازل للمواد المشعة ما يتكسرش مع الانفجار! أمال هتبقى قنبلة إزاى وهم هيستفادوا إيه؟

ده غير بقى إن في فرق كبير بين حجم الصندوق الأسود وصندوق عزل المواد المشعة. الصندوقين اللي بيطلق عليهم “الصندوق الأسود” دول مجرد أجهزة لتسجيل بيانات الرحلة وأحاديث الطاقم. أما صندوق القنبلة النووية فده مصمم على إنه يحتفظ بـأطنان من المواد المشعة — يعني صندوق أضخم كتير من الصندوق الأسود — ولازم الصندوق ده يكون خفيف نسبيًا عشان الطيران.

ده غير إن التدريع الزائد هيعاكس الوصول لـالكتلة الحرجة والحجم الحرج، لأن الوصول ليهم بيعتمد على وجود فراغات للسماح بانضغاط المكونات المطلوبة. أيوه على الأرض في مفاعل نووي مثلا لو حصل تسرب إشعاعي، فإنت تقدر تزود السمك ودرجة العزل زي ما إنت عايز. إنما إنت مش هتحتاج لكده في قنبلة إنت صممتها أصلاً لإطلاق الإشعاع.

ولذلك فأغلب القنابل اللي وقعت مع الطيارات خلال الـ 32 حادث اللي حصلوا فعلاً حرروا الإشعاع. بل إن كتير من حالات استعادة القنابل كانت بسبب تتبع مصدر الإشعاع. لكن المشكلة فعلاً إن في بعض الحوادث الصناديق ما تكسرتش، وده بيحصل في حالات نادرة لما مثلا تقع الطيارة من ارتفاع متوسط على جليد أو أرض رطبة. والمشكلة إن عدم تحرر الإشعاع ده أدى لصعوبة تتبع القنابل وفقدها.

لكن بصفة عامة المشكلة دي المفروض إنها اتحلت. فحاليًا مفيش حد هيفكر إنه يسقط قنبلة نووية عن طريق الطيران — كل الرؤوس النووية حاليا بتتحمل على الصواريخ أو الغواصات النووية.

المهم بس تكون فاكر إني قلتلك إنه عندنا مشكلتين رغم عدم حدوث الانفجار النووي. المشكلة الأولى إدينا اتكلمنا عنها؛ أما المشكلة التانية فهي العقدة الأكبر لغموضها ولعلامات الاستفهام اللي حواليها.



🚢 الغواصة السوفيتية K-129 ولغز استعادة الشفرة


أنا عايزك تهدى أعصابك لما أقولك على المشكلة التانية! فالمشكلة التانية هي الخوف من فقدان القنبلة والعثور عليها من جهة غير مرغوب فيها.

لو ما هديتش أعصابك هتقولي: “هو إيه الحكاية يا عمدة؟ ما إحنا عمالين نقول من الجزء الأول إن في سيستم وشفرة وقصة كبيرة. ما هو حتى لو مثلا أي جماعة إرهابية لقت القنبلة مش هتعرف تستخدمها.”

والكلام ده مش صحيح لسببين. السبب الأول مؤكد وهو الاستفادة من القنبلة كقنبلة نيترون مشعة. السبب التاني وهو اللي عليه كل علامات الاستفهام — بيتطلب إني أكملك جزء من الحدوتة.

في سنة 1968 غرقت غواصة سوفيتية في المحيط الهادئ. الغواصة كانت من طراز K-129، ومكان الغرق بالتحديد كان بالقرب من جزر هاواي مع 3 رؤوس نووية. خلي بالك بقى أنا بقولك غرقت غواصة مش وقعت طيارة — يعني على الأغلب الـ 3 قنابل نزلوا سلام للأعماق.

ثانياً بقى مادام بقولك جزر هاواي اللي هي الولاية الأمريكية الخمسين، يبقى أكيد أمريكا مش هتسيب الموضوع يعدي بسهولة. وده فعلاً اللي حصل حسب الكلام اللي ورد في التقرير — فالتقرير بيقول إن الولايات المتحدة اكتشفت الحادث، وكان قرارها هو القيام بـمحاولة سرية لاستعادة الغنيمة النووية. وفعلاً بدأت الخطة اللي حطتها وكالة المخابرات المركزية، وكانت الخطة بالاتفاق مع الملياردير الأمريكي Howard Hughes. وHoward ده مشهور بشغله بالتعدين في أعماق البحار، فكانت الخطة إن Howard يتظاهر إنه بيعمل شغله المعتاد في منطقة غرق الغواصة، مع تزويده طبعا بالمعدات اللي يحتاجها لانتشال الرؤوس النووية. لكن باختصار المحاولة ما تنَجَّحِتش.

فهل بقى يقف الموضوع لحد كده؟ الإجابة لا. فبعد 6 سنين رجعت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية وجربت طريقة جديدة. الطريقة دي تم تسميتها بـمشروع أزوريان (Project Azorian). وملخَّص المشروع كان عبارة عن بناء سفينة خاصة لانتشال الغواصة على بعضها من الأعماق. والعملية دي برضه كانت سرية ومعقدة ومحفوفة بالمخاطر على حد وصف التقرير. وبالفعل برضه ما حققتش نجاح بنسبة 100%. فاللي قاله التقرير إنهم عملوا استعادة جزئية للرؤوس النووية.

والحَتَّة دي بقى أو القصة كلها على بعضها بتثير الشكوك: يا ترى إيه سر إصرار أمريكا على استعادة الـ 3 قنابل دول؟ هل مثلا عشان تستفيد بيهم كقنبلة نيترون؟ طبعا الاحتمال ده مش وارد، لأن تكلفة المشروع وبناء سفينة متطورة زي دي أغلى في التكلفة من قنبلة أصلاً محرّم دوليًا استخدامها.

باختصار مفيش غير سبب منطقي واحد للقيام بعملية زي دي — السبب هو إن الأمريكان وصلوا لطريقة يقدروا عن طريقها يفكوا شفرة الرؤوس النووية. وبكده يبقى مكسب 3 قنابل هيدروجينية موضوع يستحق.

بس الجزئية دي بقى محتاجة لمشاركتكم في التعليقات، لأن الموضوع ده مفيش عليه أي أدلة لحد إِنهاردة. محدش من العلماء طلع وصرح إنه ممكن كسر شفرة القنابل النووية.

فيا ترى تفتكروا إن العلماء الأمريكان وصلوا للحكاية دي وما تمش الإعلان؟ ولا ممكن يبقى في سبب تاني للإصرار على استعادة الـ 3 قنابل؟

شارك

Newsletter Updates

Enter your email address below and subscribe to our newsletter

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *