أكبر صدمة للعلماء فى تاريخ علم الفلك وسببها تلسكوب جيمس ويب

منذ إطلاق تلسكوب جيمس ويب، كان الجميع ينتظر اكتشافاته المبهرة عن الكون المبكر. لكنّ المفاجأة جاءت عندما ظهرت ستّ نقاط حمراء غامضة في أولى الصور العميقة للفضاء! هذه النقاط حيّرت العلماء لأنها لا تتوافق مع أيّ من نماذج الفيزياء الفلكية المعروفة — لا في اللون، ولا في اللمعان، ولا حتى في التوزيع.
هل هي مجرّات عملاقة تكوّنت في بدايات الكون؟ أم ثقوب سوداء فائقة الكتلة وُجدت قبل المجرات نفسها؟ أم أنّ هناك شيئًا أعمق من ذلك يغيّر فهمنا للانفجار العظيم بالكامل؟
في هذا الفيديو، نغوص معكم في القصة الكاملة — من لحظة الصدمة الأولى، مرورًا بالتحليلات المعقّدة، وصولًا إلى الفرضيات الجديدة التي قد تعيد رسم خريطة الكون.

🔴 صدمة جيمس ويب: المجرات “الساخنة” التي حطمت النماذج


من حوالى سنتين وخلال ما كان مجتمع الفلك بيستنى أى صور جديدة لـتلسكوب جيمس ويب (JWST)، بدأت المشكلة بظهور ست نقاط حمرا واضحة في بعض الصور. وباختصار خلينى أقولك إن ظهور النقط دى كان عبارة عن صدمة كبيرة للعلماء، وده لأن ما كانش متوقع أبداً ظهور حاجة زى دى فى الصور.

فكل المواصفات الأولية للنقط الحمرا دى كانت بتخالف الفهم المعروف: اللون، والأطوال الموجية، والسطوع، والتوزيع، وكل شيئ. مفيش خاصية واحدة للنقط الستة دى كانت متوافقة مع فهم العلماء للكون.

وفى اللحظة دى حس الجميع إن التلسكوب الجديد اللى الكل كان منتظر مساهماته، واللى كان من المفترض انه يساعد على فهم أكبر للفضاء وأجرامه، بقى هو نفسه السبب فى الغموض الأكبر عن الكون. فالصور بالخصائص دى ببساطة بتؤكد إن فى مشكلة فى فهمِ العلماء للكون! ابتداءا من الانفجار العظيم، ومروراً بـالنظريات والنماذج اللى اتبنى عليها علم الفيزياء الفلكية، ووصولاً لـحسابات الجاذبية بين الأجرام.

إنهاردة احنا هنعيش اللحظات العصيبة دى مع العلماء، اللحظات اللى كانت ومازالت عبارة عن رحلة من الترقب والقلق على ضياع جهد السنين. فهى رحلة ممكن فى نهايتها يكتشف العلماء انهم رجعوا لـنقطة الصفر، وأنهم فعلاً بقوا محتاجين نماذج رياضية وفيزيائية جديدة تماماً لدراسة الفضاء.



🌟 هل النقاط الست حمراء مجرات؟ (تحدي العصور المظلمة)


بداية الأزمة حصلت مع وصول أول صور عميقة جدًا للكون المبكر، بالتقريب من 300 الى 700 مليون سنة بعد الانفجار العظيم. ففى بعض الصور لاحظ الجميع الست نقط الحمرا اللى ما كانتش فى الحسبان.

وللوهلة الأولى كانت النقط الستة دى كأنها بتقول للعلماء: احنا مجموعة من المجرات الضخمة العتيقة. ليه؟ لان الإنزياح الواضح للون الأحمر فى الصور، كمان مع اللمعان والإضاءة القوية، ده كان معناه ان دى أجرام ضخمة جداً وبعيدة جداً وقديمة جداً، أو بمعنى أوضح هى مجرات لان المجرات هى أضخم الأجرام، وكمان مجرات ضخمة مش صغيرة أو متوسطة، وأخيراً تم تشكيلها فى بداية نشأة الكون.

والمشكلة ان الأوصاف دى كلها بتتعارض تماماً مع كل نماذجنا الكونية. لأنه حسب النماذج دى المفترض ان المجرات ما كانتش ظهرت من الأصل فى الوقت ده، أو على أضعف الإيمان ما كانتش المجرات الضخمة ظهرت.

ففى الكون المبكر بعد الانفجار العظيم، الكون كان عبارة عن بلازما سخنة جدا من البروتونات والإلكترونات والفوتونات. وبعد 380 ألف سنة زى ما قالت لنا خصائص إشعاع الخلفية الكونية (CMB) (Cosmic Microwave Background)، الكون بدأ يبرد شوية وحصل ما يُسمى بـعصر إعادة الاتحاد أو إعادة التركيب (Recombination). فى العصر ده بدأ الغاز والغبار الكونى تزيد كثافتهم، وكمان بدأت الإلكترونات تتجمع مع البروتونات وتكون ذرات الهيدروجين الأولى، لكن طبعا ما كانش لسه اتكونت النجوم ولا أى نوع من الأجرام. ولذلك الكون وقتها كان ضلمة جداً من غير أى أجرام مضيئة، وعشان كده الفترة دى اتسمت بـالعصور المظلمة الكونية (Cosmic Dark Ages).

لكن بعد الفترة دى بملايين السنين لما نزلت درجات الحرارة أكتر، بدأ عصر النجوم الأولى اللى هتبقى متبعترة فى الفضاء قبل ما تتجمع فى المجرات. والقصة دى حسب النماذج الفلكية المعروفة أخدتلها من 400 مليون إلى مليار سنة بعد الانفجار العظيم.

لكن المشكلة فى النقط الحمرا الستة دى انها كانت بتكسر كل النماذج. وده لأنها بتفترض ان المجرات الضخمة كانت موجودة بشكل مبكر جدا، يعنى مش حتى مجرات بدائية صغيرة، لا ده مجرات ضخمة موجود فيها بلايين وتريليونات النجوم. والكلام ده مش متوافق مع الكون البدائى اللى كان بينتشر فيه الغاز والغبار. يعنى أيوه فعلا كان فى غاز كتير موجود، لكنه كان لسه فى صورته الخام على هيئة السحب الجزيئية الضخمة أو السدم. والتضارب ده بيقول إن فهمنا للانفجار العظيم ونمو الأجرام الكونية مش مظبوط.

ولذلك ساعتها تم انتداب بعض الفرق العلمية من أهم مراكز الفلك حوالين العالم. وكانت مهمتهم هى إنقاذ نماذجنا الفلكية عن طريق تقديم التفسير المناسب. وعشان نختصر خلينا نقول ان أول الأوراق البحثية كانت جاهزة فى فبراير 2023. وأكدت الورقة دى اللى قدمها فريق البروفيسور Ivo Labbe إن فعلا أطياف النقط الحمرا دى مش مطابقة لطيف مجرة مليانة نجوم. وإن من رأى الفريق إن تفسير اللمعان الكبير للنقط الستة الحمرا مع السرعات العالية لخطوطهم الطيفية، بيخلى الفريق يميل لاقتراح انهم عبارة عن ثقوب سوداء فائقة الكتلة.



⚫ هل النقاط الحمراء ثقوب سوداء؟ (شرح الكويزارات)


الحقيقة إن الورقة البحثية اللى قدمها فريق Ivo Labbe كانت محل اتفاق كبير. وعشان أقولك ليه الاتفاق حصل؟ وليه وإزاى ان التفسير الأقرب هو ان النقط الحمرا ثقوب سوداء فائقة الكتلة؟ فلازم أراجع معاك شوية حاجات عشان المعنى يوصلك.

شوف يا صديقى، إحنا عندنا 3 مصطلحات قريبة جدا من بعض وبيتلخبط فيها ناس كتير:

  1. الثقوب السوداء فائقة الكتلة

  2. الأنوية المجرية النشطة (AGN – Active Galactic Nucleus)

  3. الكويزارات (Quasar = Quasi-Stellar Radio Source)

وعلى فكرة الكويزارات برضه ليها أسماء كتير زى مثلاً أشباه النجوم أو النجوم الزائفة وغيرها. المهم أنا دلوقتى هقولك قاعدة عامة عن الـ 3 حاجات دول وهكررها تانى قدام شوية عشان لو معندكش خلفية ومشفتش مقالاتنا مش هيوصلك المعنى من الطريقة المختصرة:

  • القاعدة بتقول ان كل نواة مجرية نشطة (AGN) هى ثقب أسود فائق الكتلة، لكن مش كل ثقب أسود فائق الكتلة هو نواة مجرية نشطة.

  • وكل Quasar هو نواة مجرية نشطة (AGN)، لكن مش كل نواة مجرية نشطة هى Quasar.

ما تتخضش بقى وتعالى ناخدها واحدة واحدة:

الثقوب السوداء فائقة الكتلة دى حاجة على الأغلب انتم عارفينها، فهى مناطق بتتواجد فى مركز المجرات وبتكون فيها الجاذبية أقوى ما يمكن. وعشان نفرق بين الثقوب السوداء فائقة الكتلة الموجودة فى مركز المجرات وبين بقية الحاجات اللى قلناهم، فانت تقدر تعتبر إن مسمى الثقوب السوداء فائقة الكتلة ده يعتبر اسم عام.

فلو أخد الاسم العام ده خصائص معينة بيتحول لحاجة تانية. بمعنى أوضح: لو كان الثقب الأسود ده نشط وفى حالة ابتلاع مستمرة للمادة، هيتحول اسمه من ثقب أسود فائق الكتلة لـنواة مجرية نشطة (AGN – Active Galactic Nucleus). ولذلك القاعدة بتقول إن كل نواة مجرية نشطة (AGN) هى ثقب أسود فائق الكتلة، لكن مش كل ثقب أسود فائق الكتلة هو نواة مجرية نشطة.

.. أيوه يعنى قصدك يا عمدة إن مش كل الثقوب السوداء فائقة الكتلة بتبقى نشطة؟ الإجابة هى أيوه يا صديقى. .. طيب إزاى يا عمدة؟ ما هو كل الثقوب السوداء بتبلع أى حاجة بتقرب منها. .. الله ينور عليك يا صديقى.. بالظبط زى ما قلت.. بتبلع أى حاجة تقرب منها.

شوف يا سيدى، مش كل الثقوب السوداء فى مراكز المجرات بتبقى نشطة. زى مثلاً الثقب الأسود فائق الكتلة الموجود في مركز مجرتنا.. الثقب اللى اسمه Sagittarius A*. الثقب ده بتبلغ كتلته حوالي 4.3 مليون ضعف كتلة شمسنا، لكنه هادى جدًا مقارنة بالـ AGN أو بـالكويزارات. لأن مش كل الثقوب فائقة الكتلة بتبقى نشطة.. ومش كل الثقوب فائقة الكتلة النشطة.. بتبقى على نفس الدرجة من النشاط.

فاحنا عندنا ثقوب سوداء فائقة الكتلة هادية تماما أو كامنة. يعنى بتبلع حاجات بسيطة جداً من المادة أو حتى مش بتبلع حاجة خالص، وده ببساطة لان مفيش حاجة قريبة منها عشان تبلعها. ولذلك النوعية دى من الثقوب السوداء فائقة الكتلة مش بيبقى ليها قرص تراكم (Accretion Disk). قرص التراكم أو قرص الابتلاع ده هو منطقة دائرية حوالين الثقوب السوداء فائقة الكتلة، والمنطقة دى بتتكون بسبب نشاط الثقب الأسود فى الابتلاع. فكل شيئ بيبلعه الثقب من غاز وغبار ونجوم وكواكب وكل شيئ بيدور بسرعة حوالين الثقب بفعل قوة جاذبيته العالية. فى الوقت ده بتسخن المادة وتتوهج ويخرج منها الإشعاع والضوء، والإشعاع والضوء دول هم اللى بيرصدهم العلماء. يعنى لولا قرص التراكم ما كانش هينفع أصلاً رصد الثقوب السوداء، وده لأنها زى ما انتوا عارفين أجرام معتمة وسودة جدا ومستحيل تظهر فى التلسكوبات.

لكن المهم ان الحركة الدائرية دى للمادة فى قرص التراكم حوالين الثقب بتبقى إضائتها متغيرة على حسب المادة اللى فيها. زى بالظبط النار كل ما تمدها بالوقود بيزداد اشتعالها. فلو كان القرص فى حالة نشاط نتيجة للامداد المستمر من المادة هيفضل مضيئ، وهتكون اضاءته متفاوتة على حسب كمية المادة اللى بتوصله واللى بيفقدها. هتقولى إزاى بيفقدها؟ هقولك ان المادة اللى بتدور حوالين قرص التراكم بفعل الجاذبية مش بتستمر فى الدوران للأبد، هى بتستمر فى الدوران لحد ما تعدى أفق الحدث، بعدها بتتسحب جوه الثقب الأسود وتختفى هى وإضاءتها. فلو مفيش وقود جديد الإضاءة هتضعف. ولذلك فعلا بيبقى فى تفاوت فى الإضاءة واللمعان على حسب درجة النشاط.

وببساطة بقى أنشط الأنوية المجرية اللى هى نشطة فعلا بتسمى الكوايزارات (Quasars). بعض الأنوية المجرية النشطة التانية بدرجة أقل بتاخد أسماء مختلفة حسب يعنى درجة نشاطها، زى مثلاً الـ seyfert galaxies و الـ radio galaxies. ولذلك لو رجعت للقاعدة هتلاقيها بتقول: إن كل Quasar هو نواة مجرية نشطة (AGN)، لكن مش كل نواة مجرية نشطة هى Quasar. ولو عايز تراجع معايا القاعدة كاملة هقولهالك مرة أخيرة: كل نواة مجرية نشطة (AGN) هى ثقب أسود فائق الكتلة، لكن مش كل ثقب أسود فائق الكتلة هو نواة مجرية نشطة، وكل Quasar هو نواة مجرية نشطة (AGN)، لكن مش كل نواة مجرية نشطة هى Quasar.

فمن الكلام ده كله لو حبينا نلخص الحكاية هنقول: ان الـ 3 حاجات دول اللى هم الثقوب السوداء فائقة الكتلة و الأنوية المجرية النشطة والكوايزارات هم التلاتة مجرد أنواع من الثقوب السوداء فائقة الكتلة.

هنا بقى يبان معنى عنوان الفقرة من غير ما يحصل لخبطة. فالعنوان عبارة عن سؤال بيقول: هل النقاط الحمراء ثقوب سوداء؟ لو ما كنتش عارف كويس التصنيفة اللى قلناها دى كنت هتتلخبط. كان لازم أقولك على تعريف المصطلحات علشان ما تتوهش.

فلمّا أقولك أو انت تقرأ فى أى مصدر بيقولك انهم حطوا احتمال ان النقط الحمرا الستة عبارة عن ثقوب سوداء فائقة الكتلة، أو حتى ممكن تلاقى بعض المصادر بتقولك انهم احتمال يكونوا ثقوب سوداء وخلاص، كده انت هتبقى فاهم انهم يقصدوا الـ AGN أو الكوايزار. والكلام ده هيبقى ليه فوايد إضافية:

  1. أولاً هيفسّر ليه النقط الحمرا كتلتها كبيرة وضحمة؟ والجواب لأنها ثقوب شرهة ونشطة من بداية الكون وهى بتبلع الأجرام وبتزود كتلتها.

  2. وثانياً بالتبعية هيفسر السطوع واللمعان والإضاءة القوية، واللى جاية من قرص تراكم نشط جداً مليان بالمادة.

والنتيجة النهائية اللى هتترتب على كده: اننا مش محتاجين وجود بلايين النجوم في مجرة ضخمة في وقت مبكر للكون. فيكفى جداً واحد من الثقوب السوداء النشطة فائقة الكتلة عشان يحل المشكلة.

طيب نقطة نظام! هنا ممكن صديق يقولى كلامك فى حاجة مش منطقية! مش انت قلت إن مدى قوة إضاءة قرص التراكم بتعتمد على نشاطه أو يعنى كمية المادة اللى بتدور حواليه؟ هقوله أيوه فعلا أنا قلت كده.. ساعتها الصديق ده هيقولى: طيب ما هو مادام زى ما بتقول إن فى الوقت المبكر ده من الكون ما كانش لسه موجود مجرات ضخمة ولا نجوم ولا كواكب.. يبقى الثقب الأسود هيبلع إيه وهيخلى قرص التراكم إضاءته قوية منين؟ ما هو مفيش لسه حاجة اتكونت عشان ياكلها!

لو حد خطر فى ذهنه السؤال ده يبقى فاته جملة مهمة اتقالت فى المقال. خلينى أعيدلك الجملة اللى هتحل المشكلة: أنا قلت إن الكون المبكر مر بعصور كان بينتشر فيه البلازما والغاز والغبار، ما كانش لسه حاجة اتكثفت واتحولت لنجوم أو مجرات. هى دى الجملة اللى بتجاوبك. لأن يا صديقى الغاز والبلازما والذرات هم برضه مادة فى الآخر! مش لازم يعنى المادة تكون حاجة كبيرة زى النجوم والمجرات. ولذلك فـالثقب الأسود فائق الكتلة كان عنده فعلاً أكل كفاية لكن على هيئة جسيمات. هو أصلاً مش بيفرق معاه الصنف.. المهم عنده الكمية.

بس الحقيقة ان الوضع ده كمان بيفرض برضه سؤال جديد: هل معنى الكلام ده إن الثقوب السوداء فائقة الكتلة ظهرت قبل ظهور المجرات؟

الإجابة على السؤال ده بقى هى الفيصل فعلاً: لازم تكون الثقوب السوداء فائقة الكتلة ظهرت قبل المجرات. والكلام ده فعلاً موجود فى نماذجنا على هيئة نظرية قوية، بتقول النظرية دى اللى بتسمى نظرية الانهيار المباشر للسحب الغازية (Direct Collapse) إن فى أنواع من الثقوب السوداء اتوجدت فعلاً قبل ولادة المجرات، وكانت الطريقة اللى اتوجدت بيها هى حالة انهيار مباشر للسحب الغازية أو السدم.

كمان نقطة نظام: دلوقتى ممكن تقولى يعنى الخلاصة بعد الرغى ده كله ان النقط الحمرا الستة دول طلعوا ثقوب سوداء؟ الإجابة إنه للاسف يا صديقى الرغى ده كله كان عبارة عن دراسات واختبارات مستمرة من العلماء، هو بالنسبة لينا احنا رغى، لكن بالنسبة لهم كان شغل مستمر طول الشهور اللى فاتت. والمشكلة ان الشغل كله طلع على فاشوش! فالاختبارات وضحت إن النقط الحمرا الستة مش ثقوب سوداء!



🚫 الرجوع لنقطة الصفر: عائق الأشعة السينية


للاسف فعلاً العلماء بعد التعب المستمر فى جمع البيانات وإجراء الاختبارات، أجبرتهم النقط الحمرا للرجوع مرة تانية لـنقطة الصفر. فلو ركزت فى الكلام اللى قلناه كويس هتلاقى ان فى طريقة بسيطة جداً للإختبار، طريقة بتعتبر هى السمة التعريفية المستخدمة لتحديد الثقوب السوداء الهائلة. متهيألى انت فاكر لما قلتلك ان المادة بتدور فى قرص التراكم وبتسخن وبتولد الضوء والإشعاع. أهم أنواع الإشعاع ده يا صديقى هى الأشعة السينية (X-rays) أو أشعة اكس. وخلينى أقولك باختصار انهم ملقوش أى أثر لأشعة أكس! أو على بلاطة كده مينفعش ان النقط الحمرا تبقى ثقوب سوداء. وبالتالى الدنيا كده رجعت معاهم للصفر.

النقط الستة الحمرا دى مينفعش تبقى مجرات ضخمة ولا ثقوب سوداء، وبالتالى مجتمع الفلك كله استمر يضرب أخماس فى أسداس!

انما المفاجأة الجديدة بقى انهم على مدار الأيام خلال السنتين اللى فاتوا، اكتشفوا أعداد إضافية من النقط الحمرا. فاللى اتضح ان جيمس ويب كان مصر على اصطياد الأجرام الغريبة دى فى كل رحلة بحث، لدرجة ان لحد ما بكلمك دلوقتى تم اكتشاف أكتر من 350 نقطه حمرا شبيهة.

لكن زى ما بيقولوا “رب ضارة نافعة“، فالاكتشافات الجديدة دى أجبرت العلماء انهم يرجعوا يتمسكوا تانى بـنظرية الثقوب السوداء. طبعاً بالإضافة لعدد من الفرضيات المستمرة فى الظهور خلال السنتين اللى فاتوا.

هتقولى يعنى إيه يا عمدة اتمسكوا بنظرية الثقوب السوداء؟ هم مش لقوا ان مفيش أشعة سينية بتخرج من النقط الحمرا؟ هيكونوا ثقوب سوداء إزاى؟ هقولك يا صديقى العلماء ما بتتغلبش! على طول واحد فرضية عشان ناخد خطوة لادام، قالك بص: الكون في بداياته زى ما قلنا كان مليان غاز وغبار كتير ما لحقوش يبقوا مجرات ..صح؟ قلنا صح.. قالك ما هو الغاز والغبار ده كان كثيف جدا زى بالظبط الضباب اللى انت بتشوفه فى المدن، مش وقت ما بتكون الشبورة أو الضباب قوى محدش بيشوف قدامه؟ قلنالهم برضه صح.. انتم عايزين توصلوا لإيه؟

قالوا ان فى احتمال تكون كثافة الغاز والغبار دى هى اللى منعت الأشعة السينية. ساعتها قلنالهم طب إزاى منعت الأشعة السينية وما منعتش الإضاءة الحمرا؟ قالولنا يبقى كده شكلكوا مش بتتفرجوا على قناة العلم بالملعقة! لو بتتفرجوا كنتوا هتعرفوا أن الأشعة السينية (X-rays) طاقتها عالية لكن طولها الموجى صغير، وده بيخلى جسيمات الغاز والغبار تقدر تمتصها أو تشتتها بسهولة. أما الضوء المرئى وخاصة الأحمر وتحت الأحمر فعنده أطوال موجية أكبر، وبالتالى مش بتقدر عليها الجسيمات. ولما تضيف على كده إن تلسكوب جيمس ويب أصلاً متخصص فى رصد الأشعة تحت الحمراء، يعنى مش تخصصه الأصلى هو الإحساس بأشعة أكس، هتبقى الفرضية ممكنة جداً وتحل المشكلة.

يعنى النتيجة النهائية احنا ممكن نرجع ونتمسك بنظرية الثقوب السوداء. وده بيعتبر مكسب لان الدنيا مع النظرية دى بتمشى كويس. ولو على عدم رصد أشعة أكس فـأدينا أهو الحمد لله لقينا مخرج!

وعموماً الفرضيات بتاعتنا مش بتبقى مجرد كلام. الفرضيات العلمية لازم بيتم اختبارها عشان يتشاف مدى مصداقيتها. ولذلك فالعلماء حاليا بيطوروا نماذج حاسوبية لقياس الظاهرة. فبيحاولوا يعملوا محاكاة للظاهرة كلها بالبيانات المتوفرة عشان يشوفوا النتيجة. وبعد ما يخلصوا النماذج، هيبان مدى قدرة وشغل جيوب الغاز الكثيفة اللى كانت موجودة على الطيف. يعنى هيبان هل الضوء الأحمر هيمر وأشعة أكس هتتحبس ولا لا.

ولحد اللحظة اللى بكلمك فيها دى مازال العلماء بيصمموا البرامج المطلوبة. لكن برضه خلينى أجيبلك من الآخر وأجاوبلك على سؤال مهم: يا ترى لو نماذج المحاكاة دى قالت انه مينفعش كمية الغاز انها تحجب الأشعة السينية.. العمل هيكون إيه؟

المؤكد يا صديقى ان العلماء مش هيحطوا إيدهم على خدهم. ومن الصعب جدا انهم يتخلوا عن العلم اللى جمعوه على مر السنين مع أول عقبة. بل انهم فعلاً جاهزين بالفرضيات البديلة اللى هيمشوا وراها كلها ويختبروها:

  • فرضيات زى ان النقط دى احتمال تكون مجرات اتكونت من المادة المظلمة.

  • أو يكون سببها نجوم عملاقة بتسمى نجوم الجيل الأول أو الـ Population III stars.

  • أو يكون مصدرها بعض العناقيد النجمية الكثيفة اللى أدت لتصادم نجومها مع بعض.

  • أو حتى تكون حلقة مفقودة فى تطور المجرات.

فى فرضيات كتير وجاهزة للاختبار. فالمؤكد ان العلماء مش هيرفعوا الراية البيضا. بس المؤكد كمان انهم بيمروا بوقت عصيب وواضح فيه التخبط والقلق والارتباك.

شارك

Newsletter Updates

Enter your email address below and subscribe to our newsletter

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *