ازاى فى حاجات مش عارفين نشوفها بداخل المجموعة الشمسية واحنا عندنا تلسكوبات بترصد آخر الكون ؟

في يوليو 2022 أعلن العلماء عن اكتشاف أبعد مجرة في الكون JADES-GS-z14-0 على بُعد 13.6 مليار سنة ضوئية!
وبعدها بشهور، تم رصد أبعد نجم منفرد في التاريخ بفضل تلسكوب جيمس ويب وعدسة الجاذبية، على مسافة 12.9 مليار سنة ضوئية.
لكن المدهش مش الاكتشافات دي… المدهش إننا رغم كل التكنولوجيا دي، لسه مش قادرين نرصد أجرام جوّه مجموعتنا الشمسية نفسها! 😲
في هذا المقال من سلسلة العلم بالملعقة، بنفهم ليه تلسكوباتنا تقدر تشوف مجرات بعيدة لكنها بتعجز عن كشف أجرام قريبة.
هنتكلم عن الحجم الحقيقي للنظام الشمسي، والمناطق الغامضة زي سحابة أورت والقرص المبعثر،
وهنعرف الفرق بين الأجرام المضيئة بذاتها واللي بتعكس الضوء،
وكمان إزاي ظواهر زي المنظور الزاوي (Angular Motion) وسطوع الشمس بيخلوا الرصد داخل النظام الشمسي شبه مستحيل!
رحلة مذهلة بين حدود العلم والمجهول… هتخليك تبص لمجموعتنا الشمسية بنظرة مختلفة تمامًا! 🌠

🔭 لغز الناموسة والفانوس: لماذا نرى آخر الكون ولا نرى أجرام مجموعتنا الشمسية؟


بتاريخ 12 يوليو سنة 2022، تم الإعلان عن اكتشاف أبعد مجرة فى الكون وهى مجرة JADES-GS-z14-0. وقال علماء الفلك إن المجرة دى كانت موجودة بعد حوالى 290 مليون سنة بعد الانفجار العظيم. يعنى كمسافة بالسنين الضوئية المجرة دى بتبعد عننا حوالى 13.6 مليار سنة. وعلى فكرة فى كلام حاليا عن مجرة جديدة أبعد لسه مكتشفينها حديثاً فى مايو اللى فات، ومنتظرين بس استكمال البيانات للإعلان عنها.

لكن كمان قبل اكتشاف مجرة JADES-GS-z14-0 بأربع شهور، وبرضه بنفس الوسيلة وهى تلسكوب جيمس ويب، كانوا أعلنوا تحديداً فى 30 مارس 2022 عن رصد أبعد نجم منفرد تم اكتشافه. وقال العلماء إن فكرة عدسة الجاذبية (gravitational lensing) طبعاً مع قدرات تلسكوب جيمس ويب، كانت هى الأدوات اللى ضاعفت ضوء النجم آلاف المرات وسهلت كشفه. النجم ده بيبعد حوالي 12.9 مليار سنة ضوئية، والاسم الرسمي اللى تم اختياره له هو WHL0137-LS، أو برضه بيطلق عليه نجم Earendel على اسم الكوكبة الموجود فيها. وقالوا إنه نجم عملاق من الفئة O وأضخم من شمسنا بحوالي 50 مرة.

كل الكلام ده جميل وبيوضح قوة تكنولوجيا التلسكوبات اللى قدرنا نوصلها. بس المشكلة بقى انك لو قلبت شوية فى النت وقريت أكتر عن مجموعتنا الشمسية، هيجيلك ذهول من عدد الأجرام المختفية اللى العلماء بيدوروا عليها جوه المجموعة! أجرام من كل الأنواع والأحجام بيوصل عددها لعشرات الآلاف بدون أى مبالغة، لدرجة إن واحد من الأجرام دى هو كوكب عملاق وأضخم كتير من المشترى نفسه.

السؤال بقى دلوقتى: إزاى وإحنا عندنا التليسكوبات المتطورة دى اللى بترصد حاجات فى آخر الكون، مش قادرين نرصد حاجات جوه مجموعتنا الشمسية نفسها؟



📏 الحجم الحقيقي لمجموعتنا الشمسية


أولاً حدود مجموعتنا الشمسية أو حدود أى نظام نجمى بصورة عامة بتحدد على أساس أقصى المسافات اللى بيكون للنجم فيها أثار للجاذبية. ثانياً معروف إن الكواكب التمانية فى مجموعتنا الشمسية اللى بتبدأ بعطارد وتنتهى بنبتون موجودين فى منطقة مش بتمثل إلا جزء صغير من حجم مجموعتنا الشمسية.

فالمسافة بين الشمس ونبتون أبعد الكواكب هى 30 وحدة فلكية تقريباً. الوحدة الفلكية (AU) أو الـ Astronomical unit بتساوى حوالى 150 مليون كيلو متر أو 8 دقايق ضوئية تقريباً، وطبعاً هى متاخدة من المسافة بين الأرض والشمس اللى بتساوى 150 مليون كيلو متر. إنما المهم ان المسافة دى لـ 30 وحدة فلكية عبارة عن مجرد المنطقة الاولى فى المجموعة الشمسية.

بعد المنطقة دى بنوصل لمنطقة حزام كويبر (Kuiper Belt)، واللى بالمناسبة أشهر أجرامها هو الكوكب القزم بلوتو. والمنطقة دى بتبدأ من بعد نبتون وتمتد لحوالى 50 وحدة فلكية.

بعد حزام كويبر بتيجى منطقة القرص المبعثر (Scattered Disk)، والمنطقة دى بقى مليانة بالمشاكل، فموجود فيها آلاف من الأجرام غير المنتظمة بطريقة عجيبة، طريقة بتخالف القوانين الرياضية والفلكية المعروفة. والمشكلة انها منطقة ضخمة جداً بيتراوح امتدادها ما بين 100 إلى 1000 وحدة فلكية، وزى ما هو واضح انه حتى تقدير مساحتها بشكل دقيق صعب.

إنما بقى المنطقة الرابعة والأخيرة وهى منطقة سحابة أورت (Oort Cloud)، فهى المنطقة المضطربة بصورة أكبر من الكل. بتتراوح تقديرات امتداد المنطقة دى ما بين ألفين وحدة فلكية إلى 100 ألف وحدة فلكية.

فلو اخدنا بالحد الأدنى لامتداد مناطق المجموعة الشمسية، فهيكون النظام الشمسى كله بيمتد إلى مسافة 11.6 يوم ضوئي. ولو أخدنا بالحد الأقصى، يبقى الامتداد هيوصل لـ 1.5 سنة ضوئية.

ممكن بقى لو حد مركز معايا يسألنى انت بتقولنا المعلومات دى ليه؟ احنا سؤالنا إزاى محتارين فى أجرام المجموعة الشمسية اللى بتعتبر أقل من نقطة فى بحر الكون؟ هيفرق ايه يعنى إذا كانت المجموعة الشمسية 11 يوم ولا حتى 11 سنة! الإجابة بقى يا صديقى إن الموضوع فعلاً يفرق كتير!



💡 المضيئ بذاته والمضيئ بغيره


مبدئياً لازم تكون عارف الفرق بين الأجرام المضيئة بذاتها والأجرام المضيئة بغيرها.

الجرم المضيئ بغيره ده زى مثلاً الكواكب والأقمار، فالأجرام دى أصلاً غير مضيئة، لكنها مجرد بتعكس ضوء الشمس الساقط عليها وتبان مضيئة. أما الجرم المضيئ بذاته فهو تحديداً النجوم وبالتبعية المجرات، فالنجوم عندها إضاءة ذاتية فى منتهى القوة عن طريق التفاعلات الاندماجية فى قلبها. أما المجرات وخصوصاً البعيدة فبتبان مضيئة كأنها نجمة واحدة، طبعاً بسبب تداخل ضوء النجوم الموجودة فيها.

هتقولى الكلام ده برضه هيفيد فى ايه؟ هقولك يفيد انك تعرف إن كل أجرام المجموعة الشمسية إضائتها ضعيفة، لأنها فى الأصل مجرد عملية انعكاس لضوء الشمس الساقط عليها. وهيفيد برضه إنك تعرف إن الأجرام البعيدة فى المجموعة الشمسية غير القريبة فيها، لأن كل ما الشمس تبعد عن الجرم إضاءته بتبقى أضعف.

فالكوكب التاسع العملاق ده المختفى جوه المجموعة الشمسية لو كان موجود فعلاً، فعلى أضعف الإيمان هيبقى بعده عن الشمس حوالى 10 الى 20 ضعف بعد نبتون عن الشمس. ووجود كوكب مهما كان ضخم على البعد ده كله من الشمس بيخليه يعكس كمية ضئيلة جداً من الضوء، وبالتالى بيفضل مختفى مع اننا حاسين بأثره. يعنى فى الحالة دى فعلاً كل ما زادت المسافة بتؤدى لضعف فى الرؤية. والموضوع ملوش علاقة بحجم المجموعة الشمسية بالنسبة للكون. فأيوه عادى جداً مجرة على بعد 10 مليار سنة ضوئية تكون واضحه أكتر من كوكب جوه المجموعة الشمسية.

لكن عموماً وفى كل الأحوال مش هو ده السبب الوحيد اللى بيصعب رصد أجرام المجموعة الشمسية.



🏃 فانوس الجبل وناموسة الغرفة! (الثبات في مجال الرؤية)


الفكرة كمان يا صديقى إن العلماء لما بيرصدوا أى جرم فضائى مش كل اللى بيعملوه إنهم يشوفوا حاجة منورة ويقولوا لقينا نجم ولا كوكب. الرصد معناه اننا ندرس خصائص الجرم اللى اتلقى ونعرف عنه أكبر قدر من المعلومات.

بس المشكلة إن الحكاية دى بتعتمد على ثبات الجرم فى مجال الرؤية لدراسته. وعشان تفهم المقصود بثبات الجرم فى مجال الرؤية، انت ممكن تفكر فى أى هدف ثابت وهدف تانى متحرك بسرعة على نفس البعد، يا ترى انهى فيهم أسهل فى الرؤية؟ عربية من بعيد واقفة وثابتة؟ ولا عربية ماشية بسرعة يادوب بتلمحها وتختفى؟ أكيد طبعاً الهدف الثابت هو الأسهل فى المراقبة.

وباختصار كل ما كان الجرم أبعد خارج المجموعة الشمسية، كل ما كان أكتر ثبات فى مجال الرؤية. والثبات ده بيدى الفرصة للتلسكوبات انها تركز عدساتها وتجمع فوتونات الضوء.. مش ساعة بقى ولا اتنين لأ ده لأيام وشهور وأحيانا سنين.

وخلينى برضه أقولك على المثال الشهير اللى بيتقال فى الحالات دى: تخيل ان معاك تلسكوب و واقف على سطح بيتك بالليل، وبالتلسكوب ده انت هتحاول تشوف فانوس منور. فين بقى الفانوس ده؟ الفانوس موجود فى قرية ضلمة، والقرية مبنية على جبل، والجبل بيبعد عن مكانك 20 كيلو متر.

طيب تعالى بقى جوه الأوضة بتاعتك هندور على حاجة، وأوضتك يعنى مش محتاج تلسكوب ولا حتى نضارة، بس المطلوب منك ترصد ناموسة صغيرة مزهقاك فى عيشتك. خلى بالك بقى من كلمة ترصد، ترصد يعنى تخلى الناموسة دايماً جوه مجال رؤيتك، يعنى مش هيكفى بس انك تلمحها وهى طايرة.

الفكرة كمان إن الأوضة بتاعتك على مساحتها الصغيرة مليانة مشاكل:

  1. أولاً الإضاءة فيها تكاد تكون واحدة بين كل الأركان، يعنى مش زى الفانوس المضيئ الموجود فى القرية الضلمة.

  2. ثانياً الأوضة مليانة بالتفاصيل اللى بتشتت الانتباه، حيطان بقى وستاير وظلال للبراويز وميت حاجة.

  3. ثالثاً الهدف المطلوب رصده صغير جداً.. مجرد ناموسة.

  4. رابعاً الناموسة أو يعنى الهدف ده متحرك مش ثابت زى الفانوس.

هل محتاج انى أسألك مين هيبقى أسهل فى الرصد؟ الفانوس اللى بيبعد 20 كيلو متر ولا الناموسة القريبة منك؟ بالتأكيد لازم تعترف إن رصد الناموسة أصعب كتير من رصد الفانوس.

وهنا بقى هقولك إن الناموسة دى هى أى جرم فضائى مستخبى فى المجموعة الشمسية، والمجموعة الشمسية نفسها هى أوضتك القريبة. أما فانوس القرية فبيرمز لأى نجم أو مجرة خارج المجموعة الشمسية على بعد كبير.

طبعاً هتقولى يا عمدة ما تكلفتنيش! فانوس إيه اللى بيرمز للنجم والمجرة، هو النجوم والمجرات ثابتة زى الفانوس؟! ده النجوم والمجرات بيتحركوا أسرع حتى من الكواكب. هقولك طيب ركز معايا!



📐 المنظور الزاوي: خدعة الحركة الكونية


عندنا يا صديقى مفهوم رياضى فيزيائى بيعرف بـالمنظور الزاوي (Angular motion). والمنظور الزاوي ده متعلق بواحدة من أعمق الخدع الإدراكية في حياتنا اليومية واللي ليها علاقة مباشرة بفهمنا لحركة الأجسام في الكون.

بس قبل ما أكلمك عن المفهوم ده، خلينى الأول أرد على سؤالك بسؤال هيخليك مش محتاج الشرح: عمرك فكرت ليه الطيارة فى السما بتبان بطيئة جداً على الرغم من سرعتها؟

أهو السبب فى سرعة الطيارة البطيئة دى هو نفسه المنظور الزاوي. المنظور الزاوي هو المفتاح لفهم الخدعة البصرية. المنظور الزاوى يا صديقى هو مقدار الانحراف أو التغير فى الزاوية! هتقولى أنهى زاوية؟ هقولك الزاوية اللي بيتحرك فيها أى جسم داخل عينك ومجال رؤيتك.

وعشان تسهل على نفسك خد القاعدة دى وطبقها على أى حاجه:

  • الجسم القريب: أي حركة منه = زاوية كبيرة = تحس إنه بيتحرك بسرعة.

  • الجسم البعيد: و نفس الحركة = زاوية صغيرة = تحس إنه بطئ.

طيب وهو ليه بيحصل كده أصلاً؟ السبب فى كده ان المخ و العين لما بيشوفوا جسم بيتحرك ما بيعرفوش حاجتين: لا بيعرفوا سرعة الجسم الحقيقية، ولا بيحسبوا المسافة تلقائياً. إنما الحاجة الوحيدة اللى بيعرفوها هى التغير فى الزاوية. الزاوية اللى بتفتحلك مجال الرؤية. يعنى أدمغتنا مش بتحكم على الحاجات المتحركة بناءاً على سرعتها أو بعدها فى المسافة، إنما هى بتحكم على الحاجة دى بناءاً على الوقت اللى بتستغرقه في عبور مجال رؤيتنا. وده طبعاً بيؤدي للـخداع البصري.

والمهم ان نفس الفكرة بتنطبق على المجرات والنجوم البعيدة جداً عننا. فبسبب البعد الضخم ده بتبان الأجرام دى ثابته ظاهرياً مش فعلياً. فالنجوم والمجرات طبعاً بتتحرك بسرعات ضخمة ومش ثابتة زى الفانوس، لكن لأنها على مسافات مهولة بتقدر بمليارات السنين الضوئية، فتغيير موقعها بالنسبة للمراقب بيكون بطيء جدًا جداً. يعنى حركتها بتكون غير ملحوظة فى مجال الرؤية.

لو حاولنا نحس بحركة المجرات عن طريق الرؤية، فاحنا كده هنبقى محتاجين آلاف وملايين السنين. هو صحيح احنا بنعرف ان مجرة زي أندروميدا مثلاً بتتحرك ناحيتنا، إنما ده بيكون بأسلوب تانى خالص غير الرصد المباشر بالعين. العلماء بيعرفوا أن مجرة أندروميدا بتقرب مننا بالمفاهيم الفيزيائية مش بالعين.

عندك حاجة مثلاً زى ظاهرة دوبلر (Doppler Shift). وعندك برضه ظاهرة الانزياح نحو الأزرق (Blueshift). فلما المجرة تكون بتقرب من الأرض، الضوء اللي طالع منها بيتزحزح فى الطيف ناحية اللون الأزرق. وده على عكس الانزياح نحو الأحمر (Redshift) واللى بيحصل لما المجرة تبعد عننا.

عموماً ده مش موضوعنا، إنما الخلاصة لو عايز تحس ان المجرة بتتحرك بالنظر، يبقى فعلاً هتحتاج لآلاف او حتى ملايين السنين عشان تحس بالتغير الزاوى.

والحقيقة إنه موجود أسباب إضافية بتصعب رصد الأجرام جوه المجموعة الشمسية عن اللى خارجها. لو أخدنا سبب واحد إضافى فهيكون تأثير الشمس نفسها. فالتلسكوبات العملاقة اللى زى هابل وجيمس ويب دول أصلاً بيتم توجيهم بعيد عن الشمس. بمعنى تانى هم تليسكوبات بتبص على النجوم مش على الشمس. ليه؟ ببساطة علشان تحمي نفسها من الضوء القوى، فضوء الشمس القوى بيشوش تماماً على الرصد.

ولذلك أجرام المجموعة الشمسية بنعتمد فى رصدها على تليسكوبات مختلفة. تليسكوبات صحيح انها أبسط كتير من هابل وجيمس ويب، لكنها على الأقل مصممة مخصوص لـمسح النظام الشمسي. والتلسكوبات دى فعلاً شغالة وخدمتنا كتير، لكن التقنية بتاعتها مقيدة بالمصاعب اللى قلنا عليها، ومينفعش أبداً انها توصل لقدرات تلسكوبات المسافات الطويلة زى هابل و جيمس ويب.

خلونى أسألكم بقى عن توقعاتكم بخصوص الأجرام المخفية فى مجموعتنا الشمسية؟ تفتكروا انها فعلاً أجرام مخفية؟ ولا ممكن يكون فى حاجة مش مظبوطة فى الحسابات؟ اللى هيفهم السؤال ده كويس هو اللى شاف معانا مقال كوكب فولكان، أو برضه اللى عارف مساهمات نسبية أينشتاين فى حل لغز مدار عطارد.

شارك

Newsletter Updates

Enter your email address below and subscribe to our newsletter

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *