إزاى لمبة عايشة من 125 سنة ارتبطت بأسوأ مؤامرة اتعملت فى تاريخ العلم ؟

هل ممكن يكون الضوء نفسه متورط في أكبر مؤامرة اقتصادية في التاريخ؟
تعاى نشوف القصة الحقيقية وراء مؤامرة الضوء الكبرى أو ما يُعرف بـ The Great Light Bulb Conspiracy، المؤامرة اللي بدأت باجتماع سرّي سنة 1924 بين 6 من أكبر شركات الإضاءة في العالم زي Philips وOsram وGeneral Electric.
هنعرف مع بعض إزاي تم الاتفاق على تقليل عمر اللمبات عمدًا لضمان استمرار البيع والربح،
وإزاي الفكرة دي تحولت بعد كده إلى مبدأ اقتصادي عالمي اسمه التقادم المخطط (Planned Obsolescence) اللي بقى بيتطبق في كل الصناعات!
وهنتكلم كمان عن لمبة القرن Livermore Light Bulb اللي شغالة من سنة 1901 من غير ما تطفي،
ونكتشف السر الفيزيائي وراء عمرها الطويل، وهل فعلًا الفوتونات بتموت؟
رحلة مذهلة بين العلم، الفيزياء، والتاريخ المظلم للرأسمالية، بأسلوب بسيط ومشوق يخليك تفكر من جديد في كل شيء حواليك! 🌍⚡

💡 مؤامرة الضوء الكبرى: الفوتون كبش فداء للاقتصاد


كنا اتكلمنا فى أكتر من مقال قبل كده عن إن الضوء مش مجرد وسيلة إنارة، لكنه دايماً كان أداة قوية لفهم الكون والطبيعة. ولذلك الضوء ارتبط دايماً بأهم وأعظم الاكتشافات على مر التاريخ، وكان هو الآداة اللى بيبدأ من عندها حل الألغاز وبالتالى بناء الفيزياء الحديثة.

فمن خلال الضوء قدر العلماء إنهم يرسموا خريطة للمادة المظلمة، وقدروا يفهموا سلوك كل شيئ فى الطبيعة تقريباً، من أول الجسيمات تحت الذرية ولحد المجرات وكل أجرام الكون. ده بالإضافة لفهم النشاط الإشعاعى وأنواعه المختلفة، فما تنساش إن الضوء أصلاً مجرد إشعاع كهرومغناطيسى. وبصورة عامة مفيش شيئ متعلق بالبصريات، إلا وكان الفضل للضوء فى فهمه أو اكتشافه.

وأخيراً طبعاً ما ينفعش ننسى ان الضوء كان هو المفتاح لدخول عالم الكم بصفاته العجيبه، فالضوء كان هو الشرارة الاولى اللى قدمت للعلماء مفهوم ازدواجية الموجة والجسيم واللى اتبنت عليه كل مفاهيم الفيزياء الحديثة.

طبعاً كل الكلام ده جميل ومخلى الضوء صاحب فضل كبير على كل الناس بلا استثناء. بس الجانب السلبى بقى واللى عدى على الأغلبية من غير ما ينتبهوا ليه، إن الضوء برضه كان السبب فى أسوأ مؤامرة اتعملت فى البشر على مر التاريخ. المؤامرة اللى بتسمى مؤامرة الضوء الكبرى أو مؤامرة المصباح الكهربى (The Great Light Bulb Conspiracy).

انهاردة احنا هنعرف حدوتة المؤامرة دى وهنتعرف من خلالها على بعض المفاهيم الفيزيائية.



⏱️ اللمبة المئوية (Centennial Light): الدليل الأسطوري


بعيداً عن خدمات الضوء للمجتمع العلمى كله، يمكن تكون أهم فايدة للضوء بالنسبة للناس هى عملية الإنارة. فـاختراع المصباح الكهربى او اللمبة زى ما بنسميها كانت واحدة من أسعد لحظات البشر على مر التاريخ. فالناس عاشت عمرها كله فى اكتئاب وخوف من فترة الليل. ومسألة التخلص من الشموع ولمبات الجاز ووسائل الإضاءه الضعيفه والمضره كانت حلم استناه الناس طول عمرهم.

ده غير ان وقتها كانت اللمبة هى أكتر وسيلة انارة اقتصادية، فلا هى بتحتاج لوقود زى لمبات الجاز، ولا بتخلص كل شوية زى الشموع. فلمبات الكهربا أول ما ظهرت كانت معمرة جداً جداً فوق ما تتخيل.

ففى إحصائية اتعملت على اللمبات المباعة فى بداية نزولها للسوق، لقوا إن أسوأ لمبة واللى كان فيها عيوب صناعة بشكل واضح، قدرت انها تعيش 2500 ساعة من الإضاءة المتواصلة. وعلى الرغم من إن الرقم ده يعتبر مرضى جدا حتى مع لمبات اليومين دول، إلا ان اللمبة دى وقتها كانت بتعتبر كارثة فنية. وده لأن اللمبات ساعتها من غير مبالغة كان ممكن تعيش طول العمر!

وعشان نختصر خلينى أقولك على مثال عملى يوضح كل شيئ: تخيل يا صديقى إن فى لمبة تم انتاجها فى الفترة دى لسه عايشة لحد إنهاردة؟ بل وكمان محدش بيطفيها نهائياً من يوم ما خرجت من المصنع، تحديداً من سنة 1901!

اللمبة دى بتعرف بـلمبة Livermore أو اللمبة المئوية أو لمبة القرن (Centennial Light). ولقب اللمبة المئوية أو لمبة القرن ده أخدته سنة 2001، يعنى لما وصل عمرها لـ 100 سنة بالتمام والكمال. وحتى ساعتها عملولها عيد ميلاد وهليله كبيره بصفتها أكبر لمبه معمره فى العالم. واللمبة العتيقة دى كانت ومازالت موجوده وشغالة دايما فى محطة إطفاء ليفرمور الموجودة في كاليفورنيا (Livermore-Pleasanton Fire Department). وهو ده طبعا سبب تسميتها بلمبة Livermore.

هى طبعاً اللمبة دى التوهج بتاع ضؤها ضعف على مر السنين، لكنها برضه مازالت شغالة. بل أن الطريف فى اللمبه المعمره دى إنه لما انتشرت اخبارها على الإنترنت، حطولها فى محطة الإطفاء كاميرا مخصوصه ورابط عشان متابعين الإنترنت يتفرجوا عليها. ومن أول تنفيذ الفكره دى ولحد إنهارده، استهلكت اللمبة اتنين من كاميرات الويب باظوا وهى لسه عايشه.

المهم بقى إن اللمبه الاسطوريه دى بتخلينا نطرح 3 أسئلة مهمة:

  1. الأول اننا نسأل عن سر قوتها وقوة كل اللمبات اللى كانوا فى زمن انتاجها، فطبيعى إحنا المفترض بنتقدم مش بنتأخر، فايه بقى اللى خلى مفيش مقارنة فى الجودة والكفاءة بين اللمبات القديمة والحديثة؟

  2. ثانياً برضه عايزين نعرف سبب انخفاض اضاءة اللمبة الاسطورية عن وقت التصنيع؟ إيه يعنى الحاجة الفيزيائية اللى بتتحكم فى الكلام ده؟ هل مثلا الفوتونات الضوئية بتتعب أو بتموت؟!

  3. أما السؤال التالت بقى واللى هو الأهم بالنسبة للحدوتة بتاعتنا، فهو السؤال عن لو كل لمبه اتباعت فضلت عايشة كده زى لمبة القرن، يا ترى الشركه المنتجه ليها مبيعاتها هتبقى عامله إزاى وهتكسب منين؟

إجابة السؤال التالت ده تحديداً هى اللى هتكشف عن أكبر مؤامرة علمية اقتصادية سياسية على مر التاريخ.



💡 الطريق إلى لمبة أديسون (فيزيائية الإضاءة)


خلينا الأول نجاوب على سؤال بدائى شوية عشان نفهم فيزيائية الإضاءة: يا ترى العلماء أصلاً جاتلهم فكرة اللمبات الكهربائية دى منين؟ إزاى عرفوا إن ممكن نخلي حاجة (زي حتة سلك جوه حتة ازاز) يطلعوا إضاءة؟

الإجابة عن السؤال ده ببساطة انهم عرفوا عن طريق ملاحظة إن التسخين بيولد الإضاءة. فمن زمان و الناس ملاحظين انهم لما بيسخنوا مثلا الحديد كان بيحمر ويصفر ويطلع ضوء. ولما عرف العلماء الكهربا اللى بدأت تنتشر في القرن الـ 19، لاحظوا ان كمان مرور تيار كهربائي في سلك بيخليه يسخن ويشع ضوء. يعنى لاحظوا إن الكهربا بتقدر تقوم بنفس عمل النار.

المشكلة بس إن التسخين القوى بالكهربا كان بيعرض السلك للحرق. فبدأ العلماء يفكروا فى عزل عنصر من عناصر الحريق، ووقع الاختيار على عزل الأكسجين بصفته واحد من أضلاع مثلث النار التلاته. ومن هنا جت فكرة عزل السلك بإزاز مفرغ من الهوا. ولذلك فاللمبة تقدر تعتبرها جهاز بيحول الطاقه الكهربائيه لضوء.

وطبعاً إشتهرت أسماء كتير على مدار التاريخ بصفتها هى المخترع الأصلى. لكن الحقيقه وأياً كان عدد الأسماء اللى ادعت إنها صاحبة الإختراع، فالرأى الواقعى بيقول إنه مفيش مخترع واحد لأى تقنية عظيمة.

لكن لو حبينا إننا نختار اسمين مهمين، فمن الممكن نختار أولاً الكيميائى البريطانى السير Humphry Davy، وده لأنه بيعتبر أول واحد قدر إنه ينتج ضوء فى المعمل. أما الاسم التانى فهيكون هو المخترع الامريكى الشهير توماس أديسون. فـ Edison هو اللى قدر إنه يحول الإبتكار ده لـسلعة تجارية بتتباع فى الاسواق.

فالضوء اللى أنتجه Humphry Davy واللى جم من بعده، كان مش بيستمر غير دقايق أو ساعات بالكتير وبعدها بتنهار مقاومة السلك وبيتحرق. وبسبب إن أديسون كان من رجال المال وعنده الامكانيات المطلوبة، فاجتهد جدا فى اختبار آلاف المواد لإستخدامها كسلك يتسخن. لدرجة إنه توسع فى إختبار الألياف النباتيه مش العناصر الكيميائيه لوحدها. وبيقال إنه إختبر ما لا يقل عن 6 آلاف نبته عشان يستخدم أليافها فى الإضاءه. فى النهايه قدر فعلا انه يوصل للمطلوب، ووقع اختياره على فتيل او سلك عبارة عن خليط من الكيميا والنبات وهو القطن المكربن. والخامة دى ادتله التوازن الأفضل بين سطوع الإضاءة ودرجة التحمل. وساعتها بالظبط نزلت اول لمبه فى السوق بتاريخ 27 يناير سنة 1880.

لكن برضه لمبة إديسون دى كانت بتعتبر مجرد البداية، وكانت التحسينات بعدها سريعة خصوصا لما ثبت إن الناس حبت الاختراع. ولذلك فى سنة 1901 وعن طريق شركة Shelby Electric الامريكية، تم انتاج الخط اللى كانت واحده منه لمبة Livermore اللى هى لمبة القرن. يعنى اللمبة اللى عايشة لحد دلوقتى دى مش هى لمبة اديسون بالظبط، لكنها برضه تعتبر تطوير للفكرة بتاعته من حيث تصنيع السلك من القطن والكربون. طبعاً كل الكلام ده قبل ما يتم استخدام فتيل التنجستن او اللمبات اللى بتتملى بالغازات زى لمبات النيون. لكن للاسف كل التطويرات اللى هتيجى بعد كده هتكون بعد ما “سبق السيف العذل“، يعنى هتيجى للأسف بعد ما تكون خيوط المؤامرة تشعبت بشكل غير قابل للعلاج!



💪 أسباب قوة لمبة ليفرمور


زى ما قلنا لمبة ليفرمور فتيلها من القطن المكربن. وده فـ حد ذاته أول أسباب طول عمرها. فالكربون رغم ضرره على البيئة ورغم ضعف الإضاءة بتاعته مقارنة بالتنجستن، إلا انه بيتحرق ببطء شديد ولذلك بيعيش اكتر. وده لأن اضاءته الأضعف دى معناها ان الفتيل مش بيتسخن لدرجة عالية. فالإضاءة القوية معناها تسخين أعلى للفتيل وبالتالى التأثير على عمره بصوره أكبر.

ده غير انه فعلاً زمان كانت كل حاجة بيتم تصنيعها باهتمام و بـجودة عالية. فزمان كانت الحاجة الجديدة محدش يعرفها، ولذلك الشركات كانت عايزة اللى يشريها يتكلم عنها كويس فتنشط حركة بيعها. أما حالياً بعد ما الكل ما عرف بقى الهدف الأهم هو الكم لتلبية حاجة السوق مش الكيف.

بس الحقيقة برضه لمبة القرن دى حالة استثنائية لسبب إضافى. صحيح إن اللمبات الكربونية كانت بتعيش عشرات السنين بس برضه مش لدرجة لمبة القرن. لكن اللى ميز لمبة القرن إنهم حطوها فى حتة صح حافظت عليها. حتة صح بتعنى حتة تكون فيها الكهربا مستقرة من غير ارتفاع ولا انخفاض مفاجئ فى الجهد. ومعتقدش يا صديقى انك هتقولى طب ليه الكهربا مستقرة فى محطة الإطفاء! فالمتوقع إن كل محطات الإطفاء الكهربا فيها بتبقى مستقرة، لأن عدم استقرار الكهربا بيؤدى أحيانا للماس الكهربائى والحرائق. ومش هينفع طبعاً تقوم حريقة فى محطة إطفاء ويكون باب النجار مخلع!



📉 هل الفوتونات بتموت؟ (تفسير ضعف الإضاءة)


لو جينا بقى لتفسير ضعف إضاءة لمبة القرن مع الزمن، فبالتأكيد طبعاً الفوتونات لا بتتعب ولا بتموت. لكن خواص السلك أو الفتيل نفسه هو اللى بيتعب مع الوقت.

فـأولاً السلك الكربوني بيتغير تركيبه البلوري مع السنين الطويلة والتسخين المستمر، وبتكون النتيجة إن الفتيل بيبدأ يتحلل ويتناقص سُمكه و بيبقى أرفع. والكلام ده معناه إن درجة حرارته بتقل تدريجيا. ولما تقل درجة الحرارة طبيعى تقل معاها شدة التوهج. ثانياً برضه تغير خواص السلك ده بيؤدى لـترسب الكربون على ازاز اللمبة وبالتالى للعتمة.



🤫 الاجتماع السرى لمافيا شركات الإضاءة (Phoebus Cartel)


غالباً هتقولى يا صديقى كل الكلام اللى فات ده كويس، بس هو فين يا عمدة المؤامرة؟ هقولك يا صديقى فاكر السؤال التالت اللى قلتلك ان هو الأهم بالنسبة للحدوتة؟

السؤال كان بيقول: ياترى لو كل لمبه اتباعت صحتها كانت حلوه وعاشت عشرات السنين، الشركات المنتجة هتبيع وتكسب إزاى؟

إجابة السؤال ده هى سبب مؤامرة المصباح الكهربى أو مؤامرة اتحاد Phoebus (“Phoebus cartel”).

اتحاد Phoebus ده باختصار هو اتحاد الست (6) شركات اللى كانت بتنتج اللمبات وقتها. زى ما قلنا المصباح الكهربى كان إختراع ثورى الكل شبط فيه بعد ما عرف قيمته، سواء من ناحية المستهلك واهتمامه بالشراء وتغيير نظام الإضاءة فى شقته، أو من ناحية الشركات المنتجة اللى لقت اقبال كبير على الاختراع. وفى الوقت ده كان اللى بيصنع اللمبات همه 6 شركات بالعدد، شركات أوروبيه وأمريكيه وحتى بعضها مستمر لغاية إنهارده وله إسم كبير، زى Philips و Osram و General Electric.

المهم الـ 6 شركات دول لما حسوا بانخفاض المبيعات قرروا يتفاهموا افضل. فمسألة إن كل شركة تعلى على التانية فى الجودة دى اثبتت فشلها. ومينفعش من وجهة نظرهم بعد ما بقوا مليونيرات يهدوا اللى بنوه. وبصورة مباشرة مادام قلنا مليونيرات فى العصر ده بالذات، يبقى على طول بيتولد لوبى أو مافيا بتحارب بكل قوتها للاحتفاظ بمكاسبها. ولذلك قررت الـ 6 شركات دى انهم يعملوا اجتماع سرى يتفقوا فيه على الحل.

وبالطريقة دى تم الاتفاق على الاجتماع اللى هيغير بعدها من كل إقتصاديات السوق. الاجتماع ده كان فى جنيف بسويسرا بتاريخ 23 ديسمبر سنة 1924، وهيتعرف بعد كده بـمؤامرة المصباح الكهربى أو مؤامرة إتحاد Phoebus. والسبب انه تم الاتفاق فى الاجتماع على التزام الشركات الستة بـتقليل جودة اللمبات. وكان المقصود ان اللمبات ما تبقاش معمرة عشان حركة البيع تفضل نشطة.

فتم الاتفاق يومها على تحديد ألف ساعة تشغيل لكل اللمبات كحد أقصى. وفى الاجتماع اتفق الجميع إن الناس مش هتلاحظ فرق الجودة، وده ببساطة لأن كل اللى هيشتروا هيكونوا من العملاء الجدد. وحتى لو كل الناس لاحظوا محدش هيعترض، ففى كل الحالات هتفضل الألف ساعه دى فترة أطول من عمر الشموع ولمبات الجاز. ده غير طبعا جودة الإضاءة وقوتها وحفاظها على الصحة والبيئة. أما بالنسبة للمسئولين فبعد البنيه التحتية اللى اتعملت والكابلات اللى اتمدت، محدش هيلغى الحكاية ويضحى بالمصاريف. ده لو افترضنا أصلاً حسن النية، يعنى لو افترضنا ان المسئولين مش متفقين مع المافيا طبقاً لقاعدة تزاوج السلطة مع المال.

وعلى الرغم من إن الاتفاق ده مكانش مخطط ليه إنه يستمر طول العمر، لأنه كان بينص على إنه سارى لحد 15 يناير 1955، يعنى كان اتفاق ملزم للشركات الستة لمدة 30 سنه وبعدها يشوفوا الحكاية، سواء الاتفاق هيتمد أو يتلغى أو تتعدل بعض البنود حسب الظروف، إلا إن موضوع الظروف ده خدم مافيا شركات الإضاءة بشكل ما كانوش يحلموا بيه!



📉 التقادم المخطط (Planned Obsolescence) وهروب المافيا


فى يوم 29 أكتوبر سنة 1929 يعنى بعد اقل من خمس سنين بعد الاجتماع السرى، إنهارت بورصة وول ستريت ودمرت معاها الإقتصاد العالمى فى يوم إتعرف بـالثلاثاء الأسود. وكانت النتيجه هى الكساد المعروف تاريخياً بـالكساد الكبير، واللى بيعتبر التدهور الإقتصادى الأعنف خلال القرن العشرين. و كل يوم كان بيمر خلال الأزمه دى كانت بتفلس شركات وبتتقفل مصانع وبتنتشر البطاله. وكان كل الإقتصادين بيحاولوا يلاقوا اى مخرج من الأزمه ولو حتى عن طريق حلول الطوارئ.

فبعد 3 سنين من التخبط وخراب البيوت خلال فترة الكساد، كان الجميع مهيأ إنه يقبل أى نوع من حلول الطوارئ. و كان أميز حل تم اقتراحه هو تطبيق ما يعرف بـنظام التقادم المخطط (The Planned Obsolescence).

مصطلح التقادم المخطط باختصار معناه ضمان الإزدهار الدائم لحركة البيع. أما الآليه اللى بيعتمد عليها فى التطبيق بتكون هى التخطيط لمنتج بيتقادم. منتج بيتقادم يعنى منتج بتقل جودته مع الوقت. فمع تقليل الجودة الحاجة هتبوظ أسرع وهيتطلب غيرها. والاستهلاك الأسرع هيخلى الشركات تشتغل بأقصى طاقتها. والكلام ده معناه هنحتاج عماله والناس تشتغل والبطاله تقل. وأهم حاجة طبعاً ان الفلوس هتدور بسرعة. فعملية البيع والشرا بتوفر وظائف فى كل المجالات، مش بس الشركات أو المحلات اللى بتبيع والناس اللى بتشترى، لكن كمان الأراضى والمصانع والمعامل اللى بتوفر الخامات. وما تنساش المصممين والمهندسين والشيالين والسواقين وحتى عمال النضافه. كل حاجة بتشتغل مع دورة رأس المال.

ومع حل زى ده وفى ظرف زى الكساد العظيم، حتى المستهلكين نفسهم هيكونوا قابلين بيه بل ومبسوطين. لأنه مفيش فايدة إنك تعملى منتج عظيم وأنا مش قادر أشتريه.

المهم بقى واضح جدا التشابه بين الاقتراح ده وقرارات الاجتماع السرى لمافيا Phoebus. هل بقى الموضوع كان فيه لعبة وقدرت المافيا تقنع المسئولين بأفكارها؟ ولا فعلاً الحكاية كانت صدفه ومجرد توارد أفكار؟

للأسف من غير أدلة محدش عرف يقدم الإجابة لحد إنهاردة. ومؤامرة المصباح الكهربى دى إتشعبت وخرج منها نظريات مؤامره كتير. والمشكلة إن مبدأ التقادم المخطط ده كان معروض خلال فترة الكساد الكبير على إنه حل طوارئ مؤقت. فـالوضع ساعتها كان فعلاً كارثى وكتير من الناس فقدت وظايفها وعائلات كتير اتشردت، وكان مطلوب أى حل يخلى الدنيا تمشى.

بس للاسف الحل المؤقت ده الظروف خدمته عشان يتحول لـحل مؤبد! والفكرة اللى ابتدت بمؤامره فى اجتماع سرى بين 6 شركات، خدمتها الظروف وبقت مقننة. بل ان الظروف هتخدم المؤامرة مرة تانية لما تقوم الحرب العالمية التانية.

ففى عز أزمة الكساد العظيم اللى استمرت آثاره لبداية الأربعينات، انفجر الوضع وبدأت الحرب العالميه التانيه سنة 1939. والكلام ده أدى لانعدام المقاومه القانونيه تقريباً لأى مشكلة اقتصادية. فالدول اللى بدأت الحرب كان اللى شاغلهم ساعتها قضية الوجود. أما أمريكا اللى ما اشتركتش فى الحرب من بدايتها، فحاولت فيها الحكومه إنها تخوض صراع قانونى لتجريم مبدأ التقادم المخطط. لكن طبعاً فى ظل توتر الأوضاع وكمان مع جر رجل أمريكا للحرب، إتأجل الصراع القانونى وما تمش حسمه غير بعد الحرب بكتير فى سنة 1953.

لكن طبعاً على بال ما الحكم ظهر، كان كل السوق شغال بمبدأ التقادم المخطط. يعنى الحكاية مبقتش خاصة بس باللمبات. كل حاجة من الإبرة للصاروخ بقت أقل فى الجودة عشان تسريع دورة رأس المال.

وعشان كده رغم إن الحكم كان رافض فعلاً المبدأ و اعتبره نوع من أنواع الغش، إلا إنه كان مجرد حكم عبارة عن حبر على ورق ملوش أى تأثير. فببساطه قدرت الشركات تلتف على الحكم وتنفذ سياسة الأمر الواقع. وكل اللى قدر يعمله الحكم ساعتها انه الزم الشركات بإظهار تواريخ للانتاج والصلاحيه. يعنى الشركات قالت: “أنا مش بنصب على حد ولا بجبر حد انه يشترى. أنا بعرض تاريخ الصلاحيه والضمان اللى أقدر عليه والقرار للمستهلك”. وساعتها حتى اتحاد Phoebus اللى بدأ المؤامره بقى بيلعب عالمكشوف، فعينى عينك كان بينزل إعلانات فى الجرايد ويقول ان لمباته بتشتغل الف ساعه.

والخلاصة إن معظم إن لم يكن كل المنتجات اللى بيستخدمها الناس حالياً بقت اقل فى الجودة. وبصرف النظر عن عدد نظريات المؤامرة اللى ظهرت بسبب الموضوع ده، فالمؤامرة الأصلية اللى تسببت فى كل شيئ كانت هى مؤامرة الضوء. المؤامرة اللى ادعت موت الفوتونات وموتت معاها الجودة للأبد.

يا ترى أنت بقى يا صديقى شايف إن مافيا شركات الإضاءة كانت هى صاحبة فكرة التقادم المخطط؟ يعنى بوضوح الموضوع كان مؤامرة بينها وبين المسئولين؟ ولا الموضوع كان من أفكار الإقتصاديين وتصادف قدرياً مع قرارات الاجتماع السرى؟

شارك

Newsletter Updates

Enter your email address below and subscribe to our newsletter

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *