هل سألت نفسك قبل كده إزاي الضوء بيختار أسرع طريق في أقل زمن؟ 🤔
ليه الطبيعة طول الوقت بتتصرف بأعلى كفاءة، سواء في حركة الفوتونات، الإلكترونات أو حتى طريقة انتقال الطاقة؟ 🔥
في المقال ده، هنبدأ من موقف بسيط جدًا على الشاطئ — محاولة إنقاذ غريق — وهنوصل لأعمق مبدأ في الفيزياء: مبدأ أقل فعل (Principle of Least Action)
وهنتعرف كمان على قانون سنيل، ومبدأ فيرما، وازاي العلماء اكتشفوا إن الطبيعة بتحسب وتختار أفضل المسارات!
🏃 المقدمة: معضلة إنقاذ الغريق ومبدأ الفعل الأقل
أنا عايزك يا صديقى تتخيل انك لابس نضارة الشمس والكاب وقاعد تحت الشمسية فى أمان الله. فجأة وسط الأنتخة دى سمعت صريخ وناس بتقول غريق. أنت طبعاً بصفتك أفضل سباح على الشاطئ ما فكرتش لحظة. على طول رحت واقف وبدأت تستعد للجرى والسباحة عشان تنقذ اللى بيغرق.
المشكلة بقى إن عقلك وقف فجأة وإنت قايم واحتار يتحرك إزاى! والسبب إن بنظرة سريعة على الغريق احترت فى القرار. فاللى كان بيفصلك عن نقطة الشخص اللى بيغرق بتمثله بالظبط الصورة اللى قدامك. أنت كان مكانك عند النقطة ألف (A)، والغريق كان بالظبط عند النقطة به (B).
السؤال بقى اللى نط فى عقلك فجأة وهو برضه اللى هسألهولك دلوقتى هو السؤال ده: يا ترى إيه أسرع طريق يوصلك فى أقل زمن للغريق؟
هل تجرى من مكانك على الرملة مثلا بطريقة الخط الأخضر، ولما توصل للميه تكمل الباقى سباحة زى الخط الأحمر؟ ولا تجرى على الرملة زى الصورة التانية دى لحد متبقى عمودى على الغريق وبعدها تبدأ السباحة؟ ولا بقى ممكن يكون عندك أسلوب تالت يوصلك فى أسرع وقت للغريق؟
المهم زى ما أنت شايف المعضلة واضحة: المسار التانى أو الصورة تانيه بتقولك إن الجرى مهما كان على الرملة أسرع من العوم، بس المشكلة برضه إن طريقة الجرى الأكتر دى بتطول المسافة. أما المسار الأول اللى بتعبر عنه الصورة الاولى فهو يبان الأقصر لأنه فى خط مستقيم، بس مشكلته برضه إنه هيحتاج سباحة لمسافة أطول وطبعا سرعة السباحة أبطأ من الجرى. يا ترى مين الطريق اللى يوفر الوقت ويخليك توصل أسرع للغريق؟
بصرف النظر بقى إنى مش عايزك لو اتعرضت للموقف ده تقعد تفكر وتسيب الغريق يموت، أنا بس عايزك تعرف المعلومة عشان هتنفعك فى حاجات تانية. مؤقتا فكر شوية فى الحل لحد ما أختم المقدمة. أما الإجابة الصحيحة فهتلاقيها أول فقرة فى الموضوع.
بس المهم بقى دلوقتى خلينى أقولك على المفاجأة! تخيل السؤال ده الطبيعة بكل ما فيها بتعرف إجابته الصحيحة وفى لا زمن حرفياً؟ يعنى فوتونات الضوء، الإلكترونات، البروتونات، أى جسيم بيتحرك وموجود فى الطبيعة لما بيتعرض لموقف تعدد المسارات، على طول بيختار المسار الأسرع والأقل جهد وزمن فى كل مرة!
والأعجب بقى إنه بيعمل كده بعد ما بيجرب ويتأكد من المسار! يعنى الحكاية مش بتبقى عملية مبرمجة بتخلى الجسيم يمشى فى المسار الأسرع وخلاص، لا ده عملية إختيار حقيقى مش مجرد كلمة مجازية! الفوتون على سبيل المثال لما بيقابل الموقف ده بيجرب كل المسارات وبيحسب مين فيهم الأسرع والأقل فى الجهد والوقت، وبعدين بيرجع يبلغ بقية فوتونات الضوء ويقولهم يمشوا منين أحسن!
خلينى بقى أقولك ان الكلام ده بيعبر عنه واحد من أهم وأعجب مبادئ الطبيعة بيسمى بـ مبدأ أقل فعل – The Principle of Least Action. والمبدأ ده نفسه احتاج لحوالى 4 قرون عشان يتأكد ويثبت نفسه. قبلها كان فى قوانين ومبادئ كتير مهدت ليه الطريق لحد ما تأكد وأثبت نفسه. إنهاردة بقى هنتابع الحدوتة من أولها وهنفهم القصة بكل تفاصيلها.
📐 أقصر زمن وأسرع طريق: نقطة التوسط المثالية
أولاً يا صديقى خلينى اعتذرلك لو كنت توهتك شوية فى المقدمة! فالحقيقة إن لا الطريق الأول ولا الطريق التانى حاجة منهم هى الأسرع. الطريقين فعلاً هياخروك فى الوصول.
أما الصح بقى فهو طريق بيقع فى نقطة بتتوسط الطريقين تماما زى الصورة اللى أنت شايفها . فعن طريق حساب المساحة الكلية المحصورة بين النقطتين، مع طبعاً تحديد السرعات الافتراضية للجرى والسباحة، وكمان بالاستعانة بقيم زاوية السقوط وزاوية الانكسار لحاجة سريعة ومش بتضيع وقت زى الضوء، بنقدر نعرف المسار المثالى لتوفير أكبر قدر ممكن من الوقت والمجهود والمسافة.
مبدئياً الإثبات الرياضى للموضوع ده بيعرف بـقانون سنيل (Snell’s Law) أو مبدأ فيرما (Fermat’s Principle). بس عموماً انت تقدر تعتبر إن دى مجرد إجابة سريعة على سؤال المقدمة، لكن طبعاً عشان الكلام يبقى واضح هنفصل شوية.
🌊 قانون سنيل ومبدأ فيرما: سر انحراف الضوء
على الأغلب كلكوا لاحظتوا شكل القلم وهو منكسر لما بيبقى نصه فى الهوا ونصه فى كباية المية
ويمكن برضه اللى عندهم فضول منكم تساءلوا عن سبب الظاهرة دى زى علماء القرن الـ 16. وعلى الأغلب برضه كلكلوا عرفتوا السبب، وده لأن درس انكسار الضوء بقى حالياً بيتم تدريسه فى المرحلة الابتدائية!
إنما يعنى لو كان حد ناسى الدرس ده فخلينى أفكره. بإختصار السر كله فى كسرة القلم دى بيرجع للضوء والخصائص بتاعته. فالحقيقة إنت أى حاجة بتشوفها سواء قلم أو غيره بتكون عن طريق الضوء. وبسبب إن الضوء له خاصية بتسمى بـخاصية الانكسار، واللى هى يعنى نوع من تغيير الاتجاه، فالقلم بيظهر بالصورة دى لأن العين بتتابع أصلاً حركة الضوء اللى بينكسر أو بينحرف.
الأصل فى الضوء انه بيحب المشى في خطوط مستقيمة، لكن لما بيمر بنقطة تماس بين وسطين مختلفين زي مثلاً من الهوا للمية، على طول بيغير السرعة بتاعته واتجاهه. بس خلونا مؤقتاً نقول انه بيغير اتجاهه بس عشان نمشى مع أحداث القرن الستاشر (16)، واللى طبعاً علماؤه ما كانوش لسه بيعرفوا يقيسوا سرعة الضوء. فأيامها الشيئ اللى كان واضح جداً هو الانكسار.
علماء القرن الـ 16 كانوا عارفين وملاحظين ان الانكسار فعلاً من خصائص الضوء، بس المشكلة أن محدش كان عارف ليه الضوء أصلاً بيتصرف كده؟ يعنى ليه الخاصية دى موجودة بين خصائص الضوء؟ وبالفعل همه تعبوا جداً عشان يعرفوا السبب، لكن للأسف كل التعب والمحاولات كانوا من غير فايدة.
ولذلك ظهر عالم رياضيات هولندى عبقرى وبن حلال اسمه Willebrord Snell. الراجل ده جه فى سنة 1621 وقالهم: “ملناش دعوة! مش لازم نعرف ليه الضوء بيتصرف كده! خلونا نسيب الخلق للخالق… المهم إنى أقدر أحسبلكوا مقدار الانحراف أو الانكسار ده بين الأوساط المختلفة”. وفعلاً بدأ Snell يحضر الأدوات والمنشور الزجاجى والمية ويعمل كل القياسات التجريبية. كان بيمرر الضوء بين كل الأوساط ويكتب ملاحظاته. وفى كل تجربة بيعملها كان بيلاحظ العلاقة بين زاوية السقوط وزاوية الانكسار ويسجل القيم. فى النهاية فعلاً قدر يخرج بقانون بيحسب مقدار الانحراف. القانون ده هيتعرف من ساعتها بـقانون سنيل (Snell’s Law) أو قانون انكسار الضوء. يعنى الخلاصة قانون سنيل كان مجرد علاقة رياضية بحتة لحساب الانكسار، يعنى حساب معدل انحراف الشعاع الضوئي خلال عبوره السطح الفاصل بين وسطين مختلفين. طبعاً كانت مساهمة ممتازة من سنيل وفعلاً هيكون ليها فوايدها الضخمة مستقبلاً خصوصاً فى مجال علم البصريات.
إنما برضه من ناحية الفضول فالعلماء ما كانوش حاسين إنهم وصلوا للى همه عايزينه، يعنى ما خدوش بنصيحة سنيل وسابوا الخلق للخالق! بالنسبة لهم كانت حاجة حلوة انهم بقوا قادرين يحسبوا معدل الانحراف، بس برضه عايزين يعرفوا ليه الانحراف بيحصل من الأصل؟
ولذلك بعد مساهمة سنيل دى بكام سنة، ظهر بكلام جديد عالم رياضيات عبقرى تانى هو الفرنسى Pierre de Fermat. Fermat ده فضل يفكر ويتأمل فى الموضوع ويجيبه شمال ويمين لحد ما فى يوم من الايام وفى لحظة تجلى قرر انه يشغل موجة الخيال! ساعتها قال لنفسه: “يكونش الضوء بيعمل تخريمة زى البشر؟!”
بالنسبة للأصدقاء غير المصريين اللى بيتابعونا، احنا فى مصر بنقول فلان خرم أو عمل تخريمه يعنى اختصر الطريق بتاعه. ممكن مثلاً يكون أدامنا شارع طويل ومستقيم لكن برضه نتجاهله ونستعمل الأزقة، واستعمال الأزقة ده اللى بيعتبر مشى فى خط غير مستقيم فعلاً بيقصّر المسافة.
ولذلك فـ Fermat بعد ما جاله فكرة التخريمة دى حب يجربها، هو صحيح هيكبّر الموضوع ويعقده تماماً بالرياضيات، لكنه قال مش هنخسر حاجة. هو قال: أنا هخرّج من نقطة البدء لنقطة الوصول كل المسارات الممكنة، بعدها هحسب زمن الوصول وأشوف مين أقرب مسار. يعنى تخيل كده المثال بتاع الغريق وتخيل إنك قسمت المساحة كلها لمسارات وقعدت تحسب الزمن. طبعاً فيرما كان مضطر يعمل كده بالرياضيات لان فى عصره ما كانش فى مختبرات لقياس سرعة الضوء، ولانه عالم رياضيات عبقرى وهو ده مجاله، الموضوع ما كانش بالنسبة له أكتر من مجرد تسلية أو تحدى ممكن يتعمل.
العملية الرياضية المعقدة اللى اشتغل بيها طبعاً محتاجه إلمام عالى بالرياضيات وخصوصاً حساب المثلثات. إنما برضه أنا هحاول أختصرلك المفيد: هو فيرما زى ما قلتلك افترض على الورق نقطتين فى وسطين مختلفين همه A و B، وافترض إن النقطتين دول ممكن أوصلهم لبعض بعدد ضخم من الخطوط، اللى همه يعنى هيمثلوا المسارات. بناءا على كده هيكون عنده عدد من نقاط التماس بين الوسطين. المفترض كده وعلى حسب المبادئ الرياضية إنه يقدر يحسب سرعة كل مسار.
فمثلاً لو قسمنا المسار الاول لنصين وادينا كل نص سرعة $V_1$ و $V_2$، يبقى الزمن الكلى للمسار ده وليكن $T_1$ هيساوى:
بنفس الأسلوب هيحسب زمن كل مسار ويشوف مين الزمن الأكبر ومين الزمن الأقل أو الأسرع.
المفاجأة بقى إنه لما حسب كل المسارات لقى إن أقل زمن هو اللى بيحقق قانون سنيل. فى اللحظة دى فيرما راح مصرخ وقال: “وجدتها! أنا عرفت ليه الضوء بينحرف كده لما بيتحرك بين وسطين مختلفين“. طبعاً لسان الحال عند الجميع قاله: “قول يا فيرما السبب… الكل مستنى الإجابة!” قالهم يا جماعة: “الضوء بيعمل كده عشان يختار الطريق الأسرع! الضوء زينا بالظبط متبرمج على انه يختار السكة الأسرع. الضوء مش بيحب يمشى فى اى مسار عشوائى..”.
هنا بقى أنا عارف إن فى إحتمال يكون الأصدقاء عندهم نفس ملاحظات باحثين القرن الـ 16. الباحثين دول كان عندهم ملاحظتين:
الأولى إن ليه ما نسميش قانون سنيل بقانون فيرما؟ مش فيرما هو اللى اجتهد وفسر سبب وجود العلاقة الرياضية؟ طبعاً اللى ردوا عليهم قالوا بس سنيل هو اللى اكتشف العلاقة فى الأول، أما فيرما فمجرد قام بتفسيرها. عموماً عشان أريحك أنت يا صديقى خلينى أقولك ع الجديد: الأوساط العلمية فى الوقت الحالى فعلاً بتنسب الفضل للاتنين، ولذلك الاسم الرسمى للقانون ده هو قانون سنِل– فيرما (Snell–Fermat Law). هو فعلاً ما زال إسم قانون سنيل هو الأشهر، إنما يعنى لو قابلت مصدر بيقول قانون فيرما أو مبدأ فيرما (Fermat’s Principle) أو قانون سنل (Snell’s Law) أو قانون سنِل– فيرما مع بعض (Snell–Fermat Law)، اعرف ان كل التعبيرات دى بتتكلم عن نفس الحاجة.
الملاحظة التانية بقى وهى الأهم: إنه بعيداً عن الخناقة حوالين اسم المبدأ ومين المستحق يكون بإسمه، فلو احنا جينا للحق، ففعلاً هنلاقى إنه لا سنيل ولا فيرما جاوبوا على السؤال الأهم!
السؤال الأهم هو: الضوء أصلاً بيعرف إزاى ان الطريق الفلانى هو أقل زمن؟ هل الضوء ده يعنى كائن عاقل بيفكر وبيعمل علاقات رياضية ويحسب وبيقارن ويختار!!
للأسف أول إجابه عن السؤال ده هتاخدلها حبه حلوين عشان تتقدم. كان مطلوب من الجيل ده ينتظر حوالى 80 سنة عشان تظهر أول محاولة إجابة على إيد Pierre Louis Maupertuis. أما إنت يا صديقى فمش مطلوب منك الانتظار الوقت ده كله. مطلوب منك بس تفضل متابعنا عشان تعرف الإجابة فى الجزء التانى.
ياترى مين بقى كان عارف إجابة سؤال المقدمة واختار الطريق الصحيح؟







